ما سيعتريهم يوم القيامة من التفرق فريقين ، ليتحرزوا من الدخول في فريق السعير.
ولو أراد الله لجعلهم أمة واحدة فاستوت حالهم ولم يتفرقوا يوم القيامة فريقين فلم يكن عند ذلك ما تقتضي النبوة والإنذار فلم يكن وحي لكنه تعالى لم يرد ذلك بل جرت سنته على أن يتولى أمر قوم منهم وهم غير الظالمين فيدخلهم الجنة وفي رحمته ، ولا يتولى أمر آخرين وهم الظالمون فيكونوا لا ولي لهم ولا نصير ويصيروا إلى السعير لا مخلص لهم من النار.
فقد تحصل مما تقدم أن المراد بجعلهم أمة واحدة هو التسوية بينهم بإدخال الجميع في الجنة وإدخال الجميع في السعير أي أنه تعالى ليس بملزم بإدخال السعداء في الجنة والأشقياء في النار فلو لم يشأ لم يفعل لكنه شاء أن يفرق بين الفريقين وجرت سنته على ذلك ووعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد ومع ذلك فقدرته المطلقة باقية على حالها لم تنسلب ولم تتغير فقوله : « وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ » إلى تمام الآيتين في معنى قوله في سورة هود : « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ » إلى تمام سبع آيات فراجع وتدبر.
وقيل : المراد بجعلهم أمة واحدة جعلهم مؤمنين جميعا داخلين في الجنة ، قال في الكشاف : والمعنى ولو شاء ربك مشيئة قدرة لقسرهم جميعا على الإيمان ولكنه شاء مشيئة حكمة فكلفهم وبنى أمرهم على ما يختارون ليدخل المؤمنين في رحمته وهم المرادون بمن يشاء ألا ترى إلى وضعهم في مقابلة الظالمين ، ويترك الظالمين بغير ولي ولا نصير في عذابه.
واستدل على ما اختاره من المعنى بقوله تعالى : « وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها » الم السجدة : ١٣ وقوله : « وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً » يونس : ٩٩ والدليل على أن المعنى هو الإلجاء إلى الإيمان قوله : « أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ».
وفيه أن الآيات ـ كما عرفت مسوقة لتعريف الوحي من حيث غايته وأن تفرق في الناس يوم الجمع : فريقين سبب يستدعي وجود النبوة والإنذار من طريق الوحي ، وقوله : « وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً » مسوق لبيان أنه تعالى ليس بمجبر على ذلك