وكذا قول بعض آخر فرارا عن الإشكال : « أن العلة هو مجموع المغفرة وما عطف عليه من إتمام النعمة والهداية والنصر العزيز من حيث المجموع فلا ينافي عدم كون البعض أي مغفرة الذنب في نفسه علة للفتح » كلام سخيف لا يغني طائلا فإن مغفرة الذنب لا هي علة أو جزء علة للفتح ولا مرتبطة نوع ارتباط بما عطف عليها حتى يوجه دخولها في ضمن علله فلا مصحح لذكرها وحدها ولا مع العلل وفي ضمنها.
وبالجملة هذا الإشكال نعم الشاهد على أن ليس المراد بالذنب في الآية هو الذنب المعروف وهو مخالفة التكليف المولوي ، ولا المراد بالمغفرة معناها المعروف وهو ترك العقاب على المخالفة المذكورة فالذنب في اللغة على ما يستفاد من موارد استعمالاته هو العمل الذي له تبعة سيئة كيفما كان ، والمغفرة هي الستر على الشيء ، وأما المعنيان المذكوران المتبادران من لفظي الذنب والمغفرة إلى أذهاننا اليوم أعني مخالفة الأمر المولوي المستتبع للعقاب وترك العقاب عليها فإنما لزماهما بحسب عرف المتشرعين.
وقيام النبي صلىاللهعليهوآله بالدعوة ونهضته على الكفر والوثنية فيما تقدم على الهجرة وإدامته ذلك وما وقع له من الحروب والمغازي مع الكفار والمشركين فيما تأخر عن الهجرة كان عملا منه صلىاللهعليهوآله ذا تبعة سيئة عند الكفار والمشركين وما كانوا ليغفروا له ذلك ما كانت لهم شوكة ومقدرة ، وما كانوا لينسوا زهوق ملتهم وانهدام سنتهم وطريقتهم ، ولا ثارات من قتل من صناديدهم دون أن يشفوا غليل صدورهم بالانتقام منه وإمحاء اسمه وإعفاء رسمه غير أن الله سبحانه رزقه صلىاللهعليهوآله هذا الفتح وهو فتح مكة أو فتح الحديبية المنتهي إلى فتح مكة فذهب بشوكتهم وأخمد نارهم فستر بذلك عليه ما كان لهم عليه صلىاللهعليهوآله من الذنب وآمنه منهم.
فالمراد بالذنب ـ والله أعلم ـ التبعة السيئة التي لدعوته صلىاللهعليهوآله عند الكفار والمشركين وهو ذنب لهم عليه كما في قول موسى لربه : « وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ » الشعراء : ١٤ ، وما تقدم من ذنبه هو ما كان منه صلىاللهعليهوآله بمكة قبل الهجرة ، وما تأخر من ذنبه هو ما كان منه بعد الهجرة ، ومغفرته تعالى لذنبه هي سترة عليه بإبطال تبعته بإذهاب شوكتهم وهدم بنيتهم ، ويؤيد ذلك ما يتلوه من قوله : « وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ـ إلى أن قال ـ وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً ».
وللمفسرين في الآية مذاهب مختلفة أخر :