ذلك كما قيل أحد شيئين : إما نوع استخفاف به وهو الكفر ، وإما إساءة الأدب بالنسبة إلى مقامه وهو خلاف التعظيم والتوقير المأمور به.
وقوله : « وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ » فإن من التعظيم عند التخاطب أن يكون صوت المتكلم أخفض من صوت مخاطبه فمطلق الجهر بالخطاب فاقد لمعنى التعظيم فخطاب العظماء بالجهر فيه كخطاب عامة الناس لا يخلو من إساءة الأدب والوقاحة.
وقوله : « أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ » أي لئلا تحبط أو كراهة أن تحبط أعمالكم ، وهو متعلق بالنهيين جميعا أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت فوق صوته والجهر له بالقول كجهر بعضكم لبعض لئلا تبطل أعمالكم بذلك من حيث لا تشعرون فإن فيهما الحبط ، وقد تقدم القول في الحبط في الجزء الثاني من الكتاب.
وجوز بعضهم كون « أَنْ تَحْبَطَ » إلخ ، تعليلا للمنهي عنه وهو الرفع والجهر ، والمعنى : فعلكم ذلك لأجل الحبوط منهي عنه ، والفرق بين تعليله للنهي وتعليله للمنهي عنه أن الفعل المنهي عنه معلل على الأول والفعل المعلل منهي عنه على الثاني ، وفيه تكلف ظاهر.
وظاهر الآية أن رفع الصوت فوق صوت النبي صلىاللهعليهوآله والجهر له بالقول معصيتان موجبتان للحبط فيكون من المعاصي غير الكفر ما يوجب الحبط.
وقد توجه الآية بأن المراد بالحبط فقدان نفس العمل للثواب لا إبطال العمل ثواب سائر الأعمال كما في الكفر ، قال في مجمع البيان : وقال أصحابنا : أن المعنى في قوله : « أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ » إنه ينحبط ثواب ذلك العمل لأنهم لو أوقعوه على وجه تعظيم النبي صلىاللهعليهوآله وتوقيره لاستحقوا الثواب فلما أوقعوه على خلاف ذلك الوجه استحقوا العقاب وفاتهم ذلك الثواب فانحبط عملهم فلا تعلق لأهل الوعيد بهذه الآية.
ولأنه تعالى علق الإحباط في هذه الآية بنفس العمل وهم يعلقونه بالمستحق على العمل وذلك خلاف الظاهر. انتهى.
وفيه أن الحبط المتعلق بالكفر الذي لا ريب في تعلقه بثواب الأعمال أيضا متعلق في كلامه بنفس الأعمال كما في هذه الآية فلتحمل هذه على ما حملت عليه ذلك من غير فرق ، وكونه خلاف الظاهر ممنوع فإن بطلان العمل بطلان أثره المترتب عليه.