وقد توجه الآية أيضا بالبناء على اختصاص الحبط بالكفر بأن رفع الصوت فوق صوت النبي صلىاللهعليهوآله والجهر له بالقول ليسا بمحبطين من حيث أنفسهما بل من حيث أدائهما أحيانا إلى إيذائه صلىاللهعليهوآله وإيذاؤه كفر والكفر محبط للعمل.
قال بعضهم : المراد في الآية النهي عن رفع الصوت مطلقا ومعلوم أن ملاكه التحذر مما يتوقع فيه من إيذاء النبي صلىاللهعليهوآله الذي هو كفر محبط للعمل بالاتفاق. فورد النهي عما هو مظنة أذاه ـ سواء وجد هذا المعنى أو لا ـ حماية للحومة وحسما للمادة.
ثم لما كان هذا المنهي عنه منقسما إلى ما يبلغ حد الكفر وهو المؤذي له عليه الصلاة والسلام وإلى ما لا يبلغ ذلك المبلغ ، ولا دليل يميز أحد القسمين من الآخر ولو فرض وجوده لم يلتفت إليه في كثير من الأحيان ، لزم المكلف أن يكف عن ذلك مطلقا مخافة أن يقع فيما هو محبط للعمل وهو البالغ حد الأذى.
وإلى التباس أحد القسمين بالآخر الإشارة بقوله تعالى : « أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ » وإلا فلو كان رفع الصوت والجهر بالقول منهيا عنهما مطلقا سواء بلغا حد الأذى أو لم يبلغا لم يكن موقع لقوله تعالى : « وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ » إذ الأمر منحصر بين أن يكون رفع الصوت أو الجهر بالقول بالغا حد الأذى فيكون كفرا محبطا قطعا أو غير بالغ فيكون أيضا ذنبا محبطا قطعا فالإحباط محقق على أي تقدير فلا موقع لإدعام الكلام بعدم الشعور مع أن الشعور ثابت مطلقا للعلم به بعد النهي. انتهى ملخصا.
وفيه أن ظهور قوله : « لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ » في النهي النفسي دون النهي المقدمي أخذا بالاحتياط مما لا ريب فيه لكن كلا من الفعلين مما يدرك كونه عملا سيئا عقلا قبل ورود النهي الشرعي عنه كالافتراء والإفك ، وكان الذين يأتون بهما المؤمنين كما صدر النهي بقوله : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » وهم وإن أمكن أن يسامحوا في بعض السيئات بحسبانه هينا لكنهم لا يرضون ببطلان إيمانهم وأعمالهم الصالحة من أصله.
فنبه سبحانه بقوله : « أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ » على أنكم لا تشعرون بما لذلك من الأثر الهائل العظيم فإنما هو إحباط الأعمال فلا تقربوا شيئا منهما أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون.