فقوله : « وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ » ناظر إلى حالهم قبل النهي حيث كانوا يشعرون بكون الفعل سيئة لكنهم ما كانوا يعلمون بعظمة مساءته لهذا الحد ، وأما بعد صدور البيان الإلهي فهم شاعرون بالإحباط.
فالآية من وجه نظيره قوله تعالى في آيات الإفك : « وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ » النور : ١٥ ، وقوله في آيات القيامة : « وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ » الزمر : ٤٧.
قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى » إلخ ، غض الصوت خلاف رفعه ، ومعنى الامتحان الابتلاء والاختبار وإنما يكون لتحصيل العلم بحال الشيء المجهول قبل ذلك ، وإذ يستحيل ذلك في حقه تعالى فالمراد به هنا التمرين والتعويد ـ كما قيل ـ أو حمل المحنة والمشقة على القلب ليعتاد بالتقوى.
والآية مسوقة للوعد الجميل على غض الصوت عند رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد توصيفهم بأن قلوبهم ممتحنة للتقوى والذي امتحنهم لذلك هو الله سبحانه ، وفيه تأكيد وتقوية لمضمون الآية السابقة وتشويق للانتهاء بما فيها من النهي.
وفي التعبير عنه صلىاللهعليهوآله في هذه الآية برسول الله بعد التعبير عنه في الآية السابقة بالنبي إشارة إلى ملاك الحكم فإن الرسول بما هو رسول ليس له من الأمر شيء فما له فلمرسله ، وتعظيمه وتوقيره تعظيم لمرسله وتوقير له
فغض الصوت عند رسول الله تعظيم وتكبير لله سبحانه ، والمداومة والاستمرار على ذلك ـ كما يستفاد من قوله : « يَغُضُّونَ » المفيد للاستمرار ـ كاشف عن تخلقهم بالتقوى وامتحانه تعالى قلوبهم للتقوى.
وقوله : « لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ » وعد جميل لهم بإزاء ما في قلوبهم من تقوى الله ، والعاقبة للتقوى.
قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ » سياق الآية يؤدي أنه واقع وأنهم كانوا قوما من الجفاة ينادونه صلىاللهعليهوآله من وراء حجرات بيته من غير رعاية لمقتضى الأدب وواجب التعظيم والتوقير فذمهم الله سبحانه حيث وصف أكثرهم بأنهم لا يعقلون كالبهائم من الحيوان.