يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً » الأحزاب : ٥٧.
والآية بما فيها من النهي الالتزامي في معنى قوله : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً » الأحزاب : ٧٠.
وسياق الآيتين وذكر تبرئة موسى عليهالسلام يدل على أن المراد بإيذائه بما برأه الله منه ليس معصيتهم لأوامره وخروجهم عن طاعته إذ لا معنى حينئذ لتبرئته بل هو أنهم وقعوا فيه عليهالسلام وقالوا فيه ما فيه عار وشين فتأذى فبرأه الله مما قالوا ونسبوا إليه ، وقوله في الآية التالية : « اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً » يؤيد هذا الذي ذكرناه.
ويؤيد ذلك إشارته تعالى إلى بعض مصاديق إيذاء النبي صلىاللهعليهوآله بقول أو فعل في قوله : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَ ـ إلى أن قال ـ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ـ إلى أن قال ـ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً » الأحزاب : ٥٣.
فتحصل أن في قوله : « وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ » إلخ ، تلويحا إلى النهي عن إيذاء النبي صلىاللهعليهوآله بقول أو فعل على علم بذلك كما أن في ذيل الآية تخويفا وإنذارا أنه فسق ربما أدى إلى إزاغته تعالى قلب من تلبس به.
وقوله : « فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ » الزيغ الميل عن الاستقامة ولازمه الانحراف عن الحق إلى الباطل.
وإزاغته تعالى إمساك رحمته وقطع هدايته عنهم كما يفيده التعليل بقوله : « وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ » حيث علل الإزاغة بعدم الهداية ، وهي إزاغة على سبيل المجازاة وتثبيت للزيغ الذي تلبسوا به أولا بسبب فسقهم المستدعي للمجازاة كما قال تعالى : « يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ » البقرة : ٢٦ ، وليس بإزاغة بدئية وإضلال ابتدائي لا يليق بساحة قدسه تعالى.
ومن هنا يظهر فساد ما قيل : إنه لا يجوز أن يكون المراد بقوله : « أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ » الإزاغة عن الإيمان لأن الله تعالى لا يجوز أن يزيغ أحدا عن الإيمان ، وأيضا كون المراد