الإنسانية التي فطر عليها الإنسان وتثبت عليه خلقته كما قال : « فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ » الروم : ٣٠.
ومن المعلوم أن الفطرة لا تهتدي علما ولا تميل عملا إلا إلى ما فيه كمالها الواقعي وسعادتها الحقيقية فما تهتدي إليه من الاعتقادات الأصلية في المبدأ والمعاد وما يتفرع عليها من الآراء والعقائد الفرعية علوم وآراء حقة لا تتعدى سعادة الإنسان وكذا ما تميل إليه من الأعمال.
ولذا سمى الله تعالى هذا الدين المبني على الفطرة بدين الحق في مواضع من كلامه كقوله : « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ » الصف : ٩. وقال في القرآن المتضمن لدعوته : « يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ » الأحقاف : ٣٠.
وليس الحق إلا الرأي والاعتقاد الذي يطابقه الواقع ويلازمه الرشد من غير غي ، وهذا هو الحكمة ـ الرأي الذي أحكم في صدقه فلا يتخلله كذب ، وفي نفعه فلا يعقبه ضرر ـ وقد أشار تعالى إلى اشتمال الدعوة على الحكمة بقوله : « وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ » النساء : ١١٣ ، ووصف كلامه المنزل بها فقال : « وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ » يس : ٢ ، وعد رسوله صلىاللهعليهوآله معلما للحكمة في مواضع من كلامه كقوله : « وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ » الجمعة : ٢.
فالتعليم القرآني الذي تصداه الرسول صلىاللهعليهوآله المبين لما نزل من عند الله من تعليم الحكمة وشأنه بيان ما هو الحق في أصول الاعتقادات الباطلة الخرافية التي دبت في أفهام الناس من تصور عالم الوجود وحقيقة الإنسان الذي هو جزء منه ـ كما تقدمت الإشارة إليه ـ وما هو الحق في الاعتقادات الفرعية المترتبة على تلك الأصول مما كان مبدأ للأعمال الإنسانية وعناوين لغاياتها ومقاصدها.
فالناس ـ مثلا ـ يرون أن الأصالة لحياتهم المادية حتى قال قائلهم : « ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا » الجاثية : ٢٤ ، والقرآن ينبههم بقوله : « وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ » العنكبوت : ٦٤ ، ويرون أن العلل والأسباب هي المولدة للحوادث الحاكمة فيها من حياة وموت وصحة ومرض وغنى وفقر ونعمة ونقمة ورزق وحرمان « بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ » سبأ : ٣٣ ، والقرآن يذكرهم بقوله : « أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ » الأعراف : ٥٤ ، وقوله : « إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ » يوسف : ٦٧ ،