والكذب خلاف الصدق وهو عدم مطابقة الخبر للخارج فهو وصف الخبر كالصدق وربما اعتبرت مطابقة الخبر ولا مطابقته بالنسبة إلى اعتقاد المخبر فيكون مطابقته لاعتقاد المخبر صدقا منه وعدم مطابقته له كذبا فيقال : فلان كاذب إذا لم يطابق خبره الخارج وفلان كاذب إذا أخبر بما يخالف اعتقاده ويسمى النوع الأول صدقا وكذبا خبريين ، والثاني صدقا وكذبا مخبريين.
فقوله : « إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ » حكاية لإظهارهم الإيمان بالشهادة على الرسالة فإن في الشهادة على الرسالة إيمانا بما جاء به الرسول صلىاللهعليهوآله ويتضمن الإيمان بوحدانيته تعالى وبالمعاد ، وهو الإيمان الكامل.
وقوله : « وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ » تثبيت منه تعالى لرسالته صلىاللهعليهوآله ، وإنما أورده مع أن وحي القرآن ومخاطبته صلىاللهعليهوآله كان كافيا في تثبيت رسالته ، ليكون قرينة مصرحة بأنهم كاذبون من حيث عدم اعتقادهم بما يقولون وإن كان قولهم في نفسه صادقا فهم كاذبون في قولهم كذبا مخبريا لا خبريا فقوله : « وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ » أريد به الكذب المخبري لا الخبري.
قوله تعالى : « اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ » إلخ ، الأيمان جمع يمين بمعنى القسم ، والجنة الترس والمراد بها ما يتقى به من باب الاستعارة ، والصد يجيء بمعنى الإعراض وعليه فالمراد إعراضهم أنفسهم عن سبيل الله وهو الدين وبمعنى الصرف وعليه فالمراد صرفهم العامة من الناس عن الدين وهم في وقاية من إيمانهم الكاذبة.
والمعنى : اتخذوا أيمانهم الكاذبة التي يحلفون وقاية لأنفسهم فأعرضوا عن سبيل الله ودينه أو فصرفوا العامة من الناس عن دين الله بما يستطيعونه من الصرف بتقليب الأمور وإفساد العزائم.
وقوله : « إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ » تقبيح لأعمالهم التي استمروا عليها منذ نافقوا إلى حين نزول السورة.
قوله تعالى : « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ » الظاهر أن الإشارة بذلك إلى سوء ما عملوا كما قيل ، وقيل : الإشارة إلى جميع ما تقدم من كذبهم واستجنانهم بالأيمان الفاجرة وصدهم عن سبيل الله ومساءة أعمالهم.
والمراد بإيمانهم ـ على ما قيل ـ إيمانهم بألسنتهم ظاهرا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن