على سمعهم وعلى أبصارهم وإذهاب نورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون وفي الآخرة بجعلهم في الدرك الأسفل من النار.
وليس ذلك إلا لشدة المصائب التي أصابت الإسلام والمسلمين من كيدهم ومكرهم وأنواع دسائسهم فلم ينل المشركون واليهود والنصارى من دين الله ما نالوه ، وناهيك فيهم قوله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوآله يشير إليهم : « هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ » المنافقون : ٤.
وقد ظهر آثار دسائسهم ومكائدهم أوائل ما هاجر النبي صلىاللهعليهوآله إلى المدينة فورد ذكرهم في سورة البقرة وقد نزلت ـ على ما قيل ـ على رأس ستة أشهر من الهجرة ثم في السور الأخرى النازلة بعد بالإشارة إلى أمور من دسائسهم وفنون من مكائدهم كانسلالهم من الجند الإسلامي يوم أحد وهم ثلثهم تقريبا ، وعقدهم الحلف مع اليهود واستنهاضهم على المسلمين وبنائهم مسجد الضرار وإشاعتهم حديث الإفك ، وإثارتهم الفتنة في قصة السقاية وقصة العقبة إلى غير ذلك مما تشير إليه الآيات حتى بلغ أمرهم في الإفساد وتقليب الأمور على النبي صلىاللهعليهوآله إلى حيث هددهم الله بمثل قوله : « لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً » الأحزاب : ٦١.
وقد استفاضت الأخبار وتكاثرت في أن عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه من المنافقين وهم الذين كانوا يقلبون الأمور على النبي صلىاللهعليهوآله ويتربصون به الدوائر وكانوا معروفين عند المؤمنين يقربون من ثلث القوم وهم الذين خذلوا المؤمنين يوم أحد فانمازوا منهم ورجعوا إلى المدينة قائلين لو نعلم قتالا لاتبعناكم وهم عبد الله بن أبي وأصحابه.
ومن هنا ذكر بعضهم أن حركة النفاق بدأت بدخول الإسلام المدينة واستمرت إلى قرب وفاة النبي صلىاللهعليهوآله.
هذا ما ذكره جمع منهم لكن التدبر في حوادث زمن النبي صلىاللهعليهوآله والإمعان في الفتن الواقعة بعد الرحلة والاعتناء بطبيعة الاجتماع الفعالة يقضي عليه بالنظر :
أما أولا : فلا دليل مقنعا على عدم تسرب النفاق في متبعي النبي صلىاللهعليهوآله المؤمنين بمكة قبل الهجرة ، وقول القائل : إن النبي صلىاللهعليهوآله والمسلمين بمكة قبل الهجرة لم يكونوا من القوة ونفوذ الأمر وسعة الطول بحيث يهابهم الناس ويتقوهم أو يرجوا منهم خيرا حتى يظهروا لهم الإيمان ظاهرا ويتقربوا منهم بالإسلام ، وهم مضطهدون مفتنون معذبون