وعلى هذا فالظاهر تعلق قوله : « لِيَجْزِيَ » إلخ ، بقوله السابق : « فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى » إلخ ، والمعنى : أعرض عنهم وكل أمرهم إلى الله ليجزيهم كذا وكذا ويجزيك ويجزي المحسنين كذا وكذا.
ويمكن أن يكون قوله : « وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ » إلخ ، كلاما مستأنفا للدلالة على أن الأمر بالإعراض عنهم لا لإهمالهم وتركهم سدى بل الله سبحانه يجزي كلا بعمله إن سيئا وإن حسنا ، ووضع اسم الجلالة وهو ظاهر موضع الضمير للدلالة على كمال العظمة.
وقوله : « لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ » إشارة إلى ملكه تعالى للكل ومعناه قيام الأشياء به تعالى لكونه خالقهم الموجد لهم فالملك ناشئ من الخلق وهو مع ذلك منشأ للتدبير فالجملة دالة على الخلق والتدبير كأنه قيل : ولله الخلق والتدبير.
وبهذا المعنى يتعلق قوله : « لِيَجْزِيَ » إلخ ، واللام للغاية ، والمعنى : له الخلق والتدبير وغاية ذلك والغرض منه أن يجزي الذين أساءوا إلخ ، والمراد بالجزاء ما يخبر عنه الكتاب من شئون يوم القيامة ، والمراد بالإساءة والإحسان المعصية والطاعة ، والمراد بما عملوا جزاء ما عملوا أو نفس ما عملوا ، وبالحسنى المثوبة الحسنى.
والمعنى : ليجزي الله الذين عصوا بمعصيتهم أو بجزاء معصيتهم ويجزي الذين أطاعوا بالمثوبة الحسنى ، وقد أوردوا في الآية احتمالات أخرى وما قدمناه هو أظهرها.
قوله تعالى : « الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ » إلخ ، الإثم هو الذنب وأصله ـ كما ذكره الراغب ـ الفعل المبطئ عن الثواب والخير ، وكبائر الإثم المعاصي الكبيرة وهو على ما في الرواية (١) ما أوعد الله عليه النار ، وقد تقدم البحث عنها في تفسير قوله تعالى : « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ » الآية : النساء : ٣١.
والفواحش الذنوب الشنيعة الفظيعة ، وقد عد تعالى في كلامه الزنا واللواط من الفواحش ولا يبعد أن يستظهر من الآية اتحادها مع الكبائر.
وأما اللمم فقد اختلفوا في معناه فقيل : هو الصغيرة من المعاصي ، وعليه فالاستثناء منقطع ، وقيل : هو أن يلم بالمعصية ويقصدها ولا يفعل والاستثناء أيضا منقطع ، وقيل :
__________________
(١) رواها في ثواب الأعمال عن عباد بن كثير النوا عن أبي جعفر عليه السلام.