انتهاء الأشياء إليه من حيث البدء وهو الفطر ، وانتهاءها إليه من حيث العود والرجوع وهو الحشر.
ومما تقدم يظهر ضعف ما قيل في تفسير الآية أن المراد بذلك رجوع الخلق إليه سبحانه يوم القيامة ، وكذا ما قيل : إن المعنى أن إلى ثواب ربك وعقابه آخر الأمر ، وكذا ما قيل : المعنى أن إلى حساب ربك منتهاهم ، وكذا ما قيل : إليه سبحانه ينتهي الأفكار وتقف دونه ، ففي جميع هذه التفاسير تقييد الآية من غير مقيد.
قوله تعالى : « وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى » الآية وما يتلوها إلى تمام اثنتي عشرة آية بيان لموارد من انتهاء الخلق والتدبير إلى الله سبحانه.
والسياق في جميع هذه الآيات سياق الحصر ، وتفيد انحصار الربوبية فيه تعالى وانتفاء الشريك ، ولا ينافي ما في هذه الموارد من الحصر توسط أسباب أخر طبيعية أو غير طبيعية فيها كتوسط السرور والحزن وأعضاء الضحك والبكاء من الإنسان في تحقق الضحك والبكاء ، وكذا توسط الأسباب المناسبة الطبيعية وغير الطبيعية في الإحياء والإماتة وخلق الزوجين والغنى والقنى وإهلاك الأمم الهالكة وذلك أنها لما كانت مسخرة لأمر الله غير مستقلة في نفسها ولا منقطعة عما فوقها كانت وجوداتها وآثار وجوداتها وما يترتب عليها لله وحده لا يشاركه في ذلك أحد.
فمعنى قوله : « وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى » إنه تعالى هو أوجد الضحك في الضاحك وأوجد البكاء في الباكي لا غيره تعالى :
ولا منافاة بين انتهاء الضحك والبكاء في وجودهما إلى الله سبحانه وبين انتسابهما إلى الإنسان وتلبسه بهما لأن نسبة الفعل إلى الإنسان بقيامه به ونسبة الفعل إليه تعالى بالإيجاد وكم بينهما من فرق.
ولا أن تعلق الإرادة الإلهية بضحك الإنسان مثلا يوجب بطلان إرادة الإنسان للضحك وسقوطها عن التأثير لأن الإرادة الإلهية لم تتعلق بمطلق الضحك كيفما كان وإنما تعلقت بالضحك الإرادي الاختياري من حيث إنه صادر عن إرادة الإنسان واختياره فإرادة الإنسان سبب لضحكه في طول إرادة الله سبحانه لا في عرضها حتى تتزاحما ولا تجتمعا معا فنضطر إلى القول بأن أفعال الإنسان الاختيارية مخلوقة لله ولا صنع للإنسان فيها كما يقوله الجبري أو أنها مخلوقة للإنسان ولا صنع لله سبحانه فيها كما يقوله المعتزلي.