قوله تعالى : « وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ » قال الراغب : السجر تهييج النار ، وفي المجمع : المسجور المملوء يقال : سجرت التنور أي ملأتها نارا ، وقد فسرت الآية بكل من المعنيين ويؤيد المعنى الأول قوله : « وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ » التكوير : ٦ ، أي سعرت وقد ورد في الحديث أن البحار تسعر نارا يوم القيامة ، وقيل : المراد أنها تغيض مياهها بتسجير النار فيها.
قوله تعالى : « إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ » جواب القسم السابق والمراد بالعذاب المخبر بوقوعه عذاب يوم القيامة الذي أوعد الله به الكفار المكذبين كما تشير إليه الآية التالية ، وفي قوله : « ما لَهُ مِنْ دافِعٍ » دلالة على أنه من القضاء المحتوم الذي لا محيص عن وقوعه قال تعالى : « وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ » الحج : ٧.
وفي قوله : « عَذابَ رَبِّكَ » بنسبة العذاب إلى الرب المضاف إلى ضمير الخطاب دون أن يقال : عذاب الله تأييد للنبي صلىاللهعليهوآله على مكذبي دعوته وتطييب لنفسه أن ربه لا يخزيه يومئذ كما قال : « يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ » التحريم : ٨.
قوله تعالى : « يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً » ظرف لقوله : « إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ».
والمور ـ على ما في المجمع ـ تردد الشيء بالذهاب والمجيء كما يتردد الدخان ثم يضمحل ، ويقرب منه قول الراغب : إنه الجريان السريع.
وعلى أي حال فيه إشارة إلى انطواء العالم السماوي كما يذكره تعالى في مواضع من كلامه كقوله : « إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ » الانفطار : ٢ ، وقوله : « يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ » الأنبياء : ١٠٤ ، وقوله : « وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ » الزمر : ٦٧.
كما أن قوله : « وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً » إشارة إلى زلزلة الساعة في الأرض التي يذكرها تعالى في مواضع من كلامه كقوله : « إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا » الواقعة : ٦ ، وقوله : « وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً » النبأ : ٢٠.