إلا أن الحفظ يقال اعتبارا بإحرازه ، والذكر يقال اعتبارا باستحضاره وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول ، ولذلك قيل : الذكر ذكران : ذكر بالقلب وذكر باللسان وكل واحد منهما ضربان : ذكر عن نسيان وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ ، وكل قول يقال له ذكر. انتهى.
ومعنى الآية : وأقسم لقد سهلنا القرآن لأن يتذكر به ، فيذكر الله تعالى وشئونه ، فهل من متذكر يتذكر به فيؤمن بالله ويدين بما يدعو إليه من الدين الحق؟.
فالآية دعوة عامة إلى التذكر بالقرآن بعد تسجيل صدق الإنذار وشدة العذاب الذي أنذر به.
قوله تعالى : « كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ » شروع في قصة أخرى من القصص التي فيها الازدجار ولم يعطف على ما قبلها ـ ومثلها القصص الآتية ـ لأن كل واحدة من هذه القصص مستقلة كافية في الزجر والردع والعظة لو اتعظوا بها.
وقوله : « فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ » مسوق لتوجيه قلوب السامعين إلى ما يلقى إليهم من كيفية العذاب الهائل بقوله : « إِنَّا أَرْسَلْنا » إلخ ، وليس مسوقا للتهويل وتسجيل شدة العذاب وصدق الإنذار كسابقه وإلا لتكرر قوله بعد : « فَكَيْفَ كانَ » إلخ ، كذا قيل وهو وجه حسن.
قوله تعالى : « إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ » بيان لما استفهم عنه في قوله : « فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ » والصرصر ـ على ما في المجمع ـ الريح الشديدة الهبوب ، والنحس بالفتح فالسكون مصدر كالنحوسة بمعنى الشؤم ، و مُسْتَمِرٍّ صفة لنحس ، ومعنى إرسال الريح في يوم نحس مستمر إرسالها في يوم متلبس بالنحوسة والشأمة بالنسبة إليهم المستمرة عليهم لا يرجى فيه خير لهم ولا نجاة.
والمراد باليوم قطعة من الزمان لا اليوم الذي يساوي سبع الأسبوع لقوله تعالى في موضع آخر من كلامه : « فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ » حم السجدة ١٦ ، وفي موضع آخر : « سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً » الحاقة : ٧.
وفسر بعضهم النحس بالبرد.
قوله تعالى : « تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ » فاعل « تَنْزِعُ » ضمير راجع إلى