ولذلك افتتحت السورة بذكره تعالى بصفة رحمته العامة الشاملة للمؤمن والكافر والدنيا والآخرة واختتمت بالثناء عليه بقوله : « تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ».
والسورة يحتمل كونها مكية أو مدنية وإن كان سياقها بالسياق المكي أشبه وهي السورة الوحيدة في القرآن افتتحت بعد البسملة باسم من أسماء الله عز اسمه ، وفي المجمع ، عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهمالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : لكل شيء عروس ـ وعروس القرآن سورة الرحمن جل ذكره ، ورواه في الدر المنثور ، عن البيهقي عن علي عليهالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآله.
قوله تعالى : « الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ » الرحمن كما تقدم في تفسير سورة الفاتحة صيغة مبالغة تدل على كثرة الرحمة ببذل النعم ولذلك ناسب أن يعم ما يناله المؤمن والكافر من نعم الدنيا وما يناله المؤمن من نعم الآخرة ، ولعمومه ناسب أن يصدر به الكلام لاشتمال الكلام في السورة على أنواع النعم الدنيوية والأخروية التي ينتظم بها عالم الثقلين الإنس والجن.
ذكروا أن الرحمن من الأسماء الخاصة به تعالى لا يسمى به غيره بخلاف مثل الرحيم والراحم.
وقوله : « عَلَّمَ الْقُرْآنَ » شروع في عد النعم الإلهية ، ولما كان القرآن أعظم النعم قدرا وشأنا وأرفعها مكانا ـ لأنه كلام الله الذي يخط صراطه المستقيم ويتضمن بيان نهج السعادة التي هي غاية ما يأمله آمل ونهاية ما يسأله سائل ـ قدم ذكر تعليمه على سائر النعم حتى على خلق الإنس والجن اللذين نزل القرآن لأجل تعليمهما.
وحذف مفعول « عَلَّمَ » الأول وهو الإنسان أو الإنس والجن والتقدير علم الإنسان القرآن أو علم الإنس والجن القرآن ، وهذا الاحتمال الثاني وإن لم يتعرضوا له لكنه أقرب الاحتمالين لأن السورة تخاطب في تضاعيف آياتها الجن كالإنس ولو لا شمول التعليم في قوله : « عَلَّمَ الْقُرْآنَ » لهم لم يتم ذلك.
وقيل : المفعول المحذوف محمد صلىاللهعليهوآله أو جبرئيل والأنسب للسياق ما تقدم.
قوله تعالى : « خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ » ذكر خلق الإنسان وسيذكر خصوصية خلقه بقوله : « خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ » ، والإنسان من أعجب مخلوقات الله تعالى أو هو أعجبها يظهر ذلك بقياس وجوده إلى وجود غيره من المخلوقات والتأمل فيما