ساجِدِينَ » الحجر : ٢٩ ص : ٧٢ ، وقال : « ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ » الم السجدة : ٩.
والذي يسبق من الآيتين إلى النظر البادئ أن الروح والبدن حقيقتان اثنتان متفارقتان نظير العجين المركب من الماء والدقيق والإنسان مجموع الحقيقتين فإذا قارنت الروح الجسد كان إنسانا حيا وإذا فارقت فهو الموت.
لكن يفسرها قوله تعالى : « قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ » الم السجدة : ١١ حيث يفيد أن الروح التي يتوفاها ويأخذها قابض الأرواح هي التي يعبر عنها بلفظة « كم » وهو الإنسان بتمام حقيقته لا جزء من مجموع فالمراد بنفخ الروح في الجسد جعل الجسد بعينه إنسانا لا ضم واحد إلى واحد آخر يغايره في ذاته وآثار ذاته فالإنسان حقيقة واحدة حين تعلق روحه ببدنه وبعد مفارقة روحه البدن.
ويفيد هذا المعنى قوله تعالى : « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ » المؤمنون : ١٤ فالذي أنشأه الله خلقا آخر هو النطفة التي تكونت علقة ثم مضغة ثم عظاما بعينها.
وفي معناها قوله تعالى : « هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً » فتقييد الشيء المنفي بالمذكور يعطي أنه كان شيئا لكن لم يكن مذكورا فقد كان أرضا أو نطفة مثلا لكن لم يكن مذكورا أنه الإنسان الفلاني ثم صار هو هو.
فمفاد كلامه تعالى أن الإنسان واحد حقيقي هو المبدأ الوحيد لجميع آثار البدن الطبيعية والآثار الروحية كما أنه مجرد في نفسه عن المادة كما يفيده أمثال قوله تعالى : « قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ » وقوله : « اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها » الزمر : ٤٢ وقوله : « ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ » وقد تقدم بيانه.
* * *
( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً