فاستعملها فيما ينبغي وفيما لا ينبغي وبالحق وبغير حق كسائر الصفات النفسانية التي هي كريمة ما لزمت حد الاعتدال وإذا انحرفت إلى جانب الإفراط أو التفريط عادت رذيلة ذميمة.
فالإنسان في بدء نشأته وهو طفل يرى ما يراه خيرا لنفسه أو شرا لنفسه بما جهز به من الغرائز العاطفة وهي التي تهواه نفسه وتشتهيه قواه من غير أن يحده بحد أو يقدره بقدر فيجزع إذا مسه ألم أو أي مكروه ، ويمنع من يزاحمه فيما أمسك به بكل ما يقدر عليه من بكاء ونحوه.
وهو على هذه الحال حتى إذا رزق العقل والرشد أدرك الحق والباطل والخير والشر واعترفت نفسه بما أدرك وحينئذ يتبدل عنده كثير من مصاديق الحق والباطل والخير والشر فعاد كثير مما كان يراه خيرا لنفسه شرا عنده وبالعكس.
فإن أقام على ما كان عليه من اتباع أهواء النفس والعكوف على المشتهيات واشتغل بها عن اتباع الحق وغفل عنه ، طبع على قلبه فلم يواجه حقا إلا دحضه ولا ذا حق إلا اضطهده وإن أدركته العناية الإلهية عاد ما كان عنده من الحرص على ما تهواه النفس حرصا على الحق فلم يستكبر على حق واجهه ولا منع ذا حق حقه.
فالإنسان في بادئ أمره وهو عهد الصبي قبل البلوغ والرشد مجهز بالحرص الشديد على الخير وهو صفة كمالية له بحسب حاله بها ينبعث إلى جلب الخير واتقاء الشر قال تعالى : « وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ » العاديات : ٨.
ثم إذا رزق البلوغ والرشد زاد تجهيزا آخر وهو العقل الذي بها يدرك حقائق الأمور على ما هي عليها فيدرك ما هو الاعتقاد الحق وما هو الخير في العمل ، ويتبدل حرصه الشديد على الخير وكونه جزوعا عند مس الشر ومنوعا عند مس الخير من الحرص الشديد على الخير الواقعي من الفزع والخوف إذا مسه شر أخروي وهو المعصية والمسابقة إلى مغفرة ربه إذا مسه خير أخروي وهو مواجهة الحسنة ، وأما الشر والخير الدنيويان فإنه لا يتعدى فيهما ما حده الله له من الصبر عند المصيبة والصبر على الطاعة والصبر عن المعصية وهذه الصفة صفة كمالية لهذا الإنسان.
وأما إذا أعرض الإنسان عما يدركه عقله ويعترف به فطرته وعكف على اتباع الهوى واعتنق الباطل وتعدى إلى حق كل ذي حق ولم يقف في حرصه على الخير على حد