سرابا باطلا لا حقيقة له ، ونظيره من كلامه تعالى قوله في أقوام أهلكهم وقطع دابرهم ، « فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ » سبأ : ١٩ وقوله : « فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ » المؤمنون : ٤٤ ، وقوله في الأصنام « إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ » النجم : ٢٣.
فالآية بوجه كقوله تعالى « وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ » النمل : ٨٨ ـ بناء على كونه ناظرا إلى صفة زلزلة الساعة ـ.
قوله تعالى : « إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً » قال في المفردات : الرصد الاستعداد للترقب ـ إلى أن قال ـ والمرصد موضع الرصد قال تعالى : « وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ » والمرصاد نحوه لكن يقال للمكان الذي اختص بالرصد قال تعالى : « إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً » تنبيها على أن عليها مجاز الناس ، وعلى هذا قوله تعالى : « وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها » انتهى.
قوله تعالى : « لِلطَّاغِينَ مَآباً » الطاغون الملتبسون بالطغيان وهو الخروج عن الحد ، والمآب اسم مكان من الأوب بمعنى الرجوع ، والعناية في عدها مآبا للطاغين أنهم هيئوها مأوى لأنفسهم وهم في الدنيا ثم إذا انقطعوا عن الدنيا آبوا ورجعوا إليها.
قوله تعالى : « لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً » الأحقاب الأزمنة الكثيرة والدهور الطويلة من غير تحديد.
وهو جمع اختلفوا في واحده فقيل : واحده حقب بالضم فالسكون أو بضمتين ، وقد وقع في قوله تعالى : « أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً » الكهف : ٦٠ ، وقيل : حقب بالفتح فالسكون وواحد الحقب حقبة بالكسر فالسكون قال الراغب : والحق أن الحقبة مدة من الزمان مبهمة. انتهى.
وحد بعضهم الحقب بثمانين سنة أو ببضع وثمانين سنة وزاد آخرون أن السنة منها ثلاثمائة وستون يوما كل يوم يعدل ألف سنة ، وعن بعضهم أن الحقب أربعون سنة وعن آخرين أنه سبعون ألف سنة إلى غير ذلك ولا دليل من الكتاب يدل على شيء من هذه التحديدات ولم يثبت من اللغة شيء منها.
وظاهر الآية أن المراد بالطاغين المعاندون من الكفار ويؤيده قوله ذيلا : « إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً ».