بحسب اللغة للاستعمال فيه أعم من الحقيقة والمجاز.
على أن كثيرا منها لا تناسب سياق آيات السورة التي تذكر يوم البعث وتحتج على وقوعه على ما تقدم في سورة المرسلات من حديث المناسبة بين ما في كلامه تعالى من الإقسام وجوابه.
والذي يمكن أن يقال ـ والله أعلم ـ أن ما في هذه الآيات من الأوصاف المقسم بها يقبل الانطباق على صفات الملائكة في امتثالها للأوامر الصادرة عليهم من ساحة العزة المتعلقة بتدبير أمور هذا العالم المشهود ثم قيامهم بالتدبير بإذن الله.
والآيات شديدة الشبه سياقا بآيات مفتتح سورة الصافات : « وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً » وآيات مفتتح سورة المرسلات : « وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً وَالنَّاشِراتِ نَشْراً فَالْفارِقاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً » وهي تصف الملائكة في امتثالهم لأمر الله غير أنها تصف ملائكة الوحي ، والآيات في مفتتح هذه السورة تصف مطلق الملائكة في تدبيرهم أمر العالم بإذن الله.
ثم إن أظهر الصفات المذكورة في هذه الآيات الخمس في الانطباق على الملائكة قوله : « فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً » وقد أطلق التدبير ولم يقيد بشيء دون شيء فالمراد به التدبير العالمي بإطلاقه ، وقوله « أَمْراً » تمييز أو مفعول به للمدبرات ومطلق التدبير شأن مطلق الملائكة فالمراد بالمدبرات مطلق الملائكة.
وإذ كان قوله : « فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً » مفتتحا بفاء التفريع الدالة على تفرع صفة التدبير على صفة السبق ، وكذا قوله : « فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً » مقرونا بفاء التفريع الدالة على تفرع السبق على السبح دل ذلك على مجانسة المعاني المرادة بالآيات الثلاث : « وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً » فمدلولها أنهم يدبرون الأمر بعد ما سبقوا إليه ويسبقون إليه بعد ما سبحوا أي أسرعوا إليه عند النزول فالمراد بالسابحات والسابقات هم المدبرات من الملائكة باعتبار نزولهم إلى ما أمروا بتدبيره.
فالآيات الثلاث في معنى قوله تعالى : « لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ » الرعد : ١١ على ما تقدم من توضيح معناه فالملائكة ينزلون على الأشياء وقد تجمعت عليها الأسباب وتنازعت فيها وجودا وعدما وبقاء وزوالا وفي مختلف أحوالها