قوله تعالى : « وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى » حال من فاعل « عَبَسَ وَتَوَلَّى » والمراد بالتزكي التطهر بعمل صالح بعد التذكر الذي هو الاتعاظ والانتباه للاعتقاد الحق ، ونفع الذكرى هو دعوتها إلى التزكي بالإيمان والعمل الصالح.
ومحصل المعنى : بسر وأعرض عن الأعمى لما جاءه والحال أنه ليس يدري لعل الأعمى الذي جاءه يتطهر بصالح العمل بعد الإيمان بسبب مجيئه وتعلمه وقد تذكر قبل أو يتذكر بسبب مجيئه واتعاظه بما يتعلم فتنفعه الذكرى فيتطهر.
وفي الآيات الأربع عتاب شديد ويزيد شدة بإتيان الآيتين الأوليين في سياق الغيبة لما فيه من الإعراض عن المشافهة والدلالة على تشديد الإنكار وإتيان الآيتين الأخيرتين في سياق الخطاب لما فيه من تشديد التوبيخ وإلزام الحجة بسبب المواجهة بعد الإعراض والتقريع من غير واسطة.
وفي التعبير عن الجائي بالأعمى مزيد توبيخ لما أن المحتاج الساعي في حاجته إذا كان أعمى فاقدا للبصر وكانت حاجته في دينه دعته إلى السعي فيها خشية الله كان من الحري أن يرحم ويخص بمزيد الإقبال والتعطف لا أن ينقبض ويعرض عنه.
وقيل ـ بناء على كون المراد بالمعاتب هو النبي صلىاللهعليهوآله ـ : أن في التعبير عنه أولا بضمير الغيبة إجلالا له لإيهام أن من صدر عنه العبوس والتولي غيره صلىاللهعليهوآله لأنه لا يصدر مثله عن مثله ، وثانيا بضمير الخطاب إجلالا له أيضا لما فيه من الإيناس بعد الإيحاش والإقبال بعد الإعراض.
وفيه أنه لا يلائمه الخطاب في قوله بعد : « أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى » إلخ والعتاب والتوبيخ فيه أشد مما في قوله : « عَبَسَ وَتَوَلَّى » إلخ ولا إيناس فيه قطعا.
قوله تعالى : « أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى » الغنى والاستغناء والتغني والتغاني بمعنى على ما ذكره الراغب فالمراد بمن استغنى من تلبس بالغنى ولازمه التقدم والرئاسة والعظمة في أعين الناس والاستكبار عن اتباع الحق قال تعالى : « إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى » العلق : ٧ والتصدي التعرض للشيء بالإقبال عليه والاهتمام بأمره.
وفي الآية إلى تمام ست آيات إشارة إلى تفصيل القول في ملاك ما ذكر من العبوس والتولي فعوتب عليه ومحصله أنك تعتني وتقبل على من استغنى واستكبر عن اتباع الحق