وما عليك ألا يزكى وتتلهى وتعرض عمن يجتهد في التزكي وهو يخشى.
وقوله : « وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى » قيل : « ما » نافية والمعنى وليس عليك بأس أن لا يتزكى حتى يبعثك الحرص على إسلامه إلى الإعراض والتلهي عمن أسلم والإقبال عليه.
وقيل : « ما » للاستفهام الإنكاري والمعنى وأي شيء يلزمك أن لم يتطهر من الكفر والفجور فإنما أنت رسول ليس عليك إلا البلاغ.
وقيل : المعنى ولا تبالي بعدم تطهره من دنس الكفر والفجور وهذا المعنى أنسب لسياق العتاب ثم الذي قبله ثم الذي قبله.
قوله تعالى : « وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى » السعي الإسراع في المشي فمعنى قوله : « وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى » بحسب ما يفيده المقام : وأما من جاءك مسرعا ليتذكر ويتزكى بما يتعلم من معارف الدين.
وقوله : « وَهُوَ يَخْشى » أي يخشى الله والخشية آية التذكر بالقرآن قال تعالى : « ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى » طه : ٣ وقال : « سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى » الأعلى : ١٠.
وقوله : « فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى » أي تتلهى وتتشاغل بغيره وتقديم ضمير أنت في قوله : « فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى » وقوله : « فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى » وكذا الضميرين « لَهُ » و « عَنْهُ » في الآيتين لتسجيل العتاب وتثبيته.
قوله تعالى : « كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ » « كَلَّا » ردع عما عوتب عليه من العبوس والتولي والتصدي لمن استغنى والتلهي عمن يخشى.
والضمير في « إِنَّها تَذْكِرَةٌ » للآيات القرآنية أو للقرآن وتأنيث الضمير لتأنيث الخبر والمعنى أن الآيات القرآنية أو القرآن تذكرة أي موعظة يتعظ بها من اتعظ أو مذكر يذكر حق الاعتقاد والعمل.
وقوله : « فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ » جملة معترضة والضمير للقرآن أو ما يذكر به القرآن من المعارف ، والمعنى فمن شاء ذكر القرآن أو ذكر ما يذكر به القرآن وهو الانتقال إلى ما تهدي إليه الفطرة مما تحفظه في لوحها من حق الاعتقاد والعمل.
وفي التعبير بهذا التعبير : « فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ » تلويح إلى أن لا إكراه في الدعوة إلى التذكر فلا نفع فيها يعود إلى الداعي وإنما المنتفع بها المتذكر فليختر ما يختاره.