قوله تعالى : « فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ » قال في المجمع : الصحف جمع صحيفة ، والعرب تسمي كل مكتوب فيه صحيفة كما تسميه كتابا رقا كان أو غيره انتهى.
و « فِي صُحُفٍ » خبر بعد خبر لأن وظاهره أنه مكتوب في صحف متعددة بأيدي ملائكة الوحي ، وهذا يضعف القول بأن المراد بالصحف اللوح المحفوظ ولم يرد في كلامه تعالى إطلاق الصحف ولا الكتب ولا الألواح بصيغة الجمع على اللوح المحفوظ ، ونظيره في الضعف القول بأن المراد بالصحف كتب الأنبياء الماضين لعدم ملاءمته لظهور قوله : « بِأَيْدِي سَفَرَةٍ » إلخ في أنه صفة لصحف.
وقوله : « مُكَرَّمَةٍ » أي معظمة ، وقوله : « مَرْفُوعَةٍ » أي قدرا عند الله ، وقوله : « مُطَهَّرَةٍ » أي من قذارة الباطل ولغو القول والشك والتناقض قال تعالى : « لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ » حم السجدة : ٤٢ ، وقال : « إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَما هُوَ بِالْهَزْلِ » الطارق : ١٤ وقال : « ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ » البقرة : ٢ ، وقال : « وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً » النساء : ٨٢.
قوله تعالى : « بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ » صفة بعد صفة لصحف ، والسفرة هم السفراء جمع سفير بمعنى الرسول و « كِرامٍ » صفة لهم باعتبار ذواتهم و « بَرَرَةٍ » صفة لهم باعتبار عملهم وهو الإحسان في الفعل.
ومعنى الآيات أن القرآن تذكرة مكتوبة في صحف متعددة معظمة مرفوعة قدرا مطهرا من كل دنس وقذارة بأيدي سفراء من الملائكة كرام على ربهم بطهارة ذواتهم بررة عنده تعالى بحسن أعمالهم.
ويظهر من الآيات أن للوحي ملائكة يتصدون لحمل الصحف وإيحاء ما فيها من القرآن فهم أعوان جبريل وتحت أمره ونسبة إلقاء الوحي إليهم لا تنافي نسبته إلى جبريل في مثل قوله : « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ » الشعراء : ١٩٤ وقد قال تعالى في صفته : « إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » التكوير : ٢١ فهو مطاع من الملائكة من يصدر عن أمره ويأتي بما يريده والإيحاء الذي هو فعل أعوانه فعله كما أن فعله وفعلهم جميعا فعل الله وذلك نظير كون التوفي الذي هو فعل أعوان ملك الموت فعله ، وفعله وفعلهم جميعا فعل الله تعالى ، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا البحث مرارا.
وقيل : المراد بالسفرة الكتاب من الملائكة ، والذي تقدم من المعنى أجلى.
وقيل : المراد بهم القراء يكتبونها ويقرءونها وهو كما ترى.