( بحث روائي )
في المجمع ، قيل : نزلت الآيات في عبد الله بن أم مكتوم ـ وهو عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري ـ من بني عامر بن لؤي.
وذلك أنه أتى رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام ـ والعباس بن عبد المطلب وأبيا ـ وأمية بن خلف يدعوهم إلى الله ويرجو إسلامهم ـ فقال : يا رسول الله أقرئني ـ وعلمني مما علمك الله ـ فجعل يناديه ويكرر النداء ـ ولا يدري أنه مشتغل مقبل على غيره ـ حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله صلىاللهعليهوآله لقطعه كلامه ـ وقال في نفسه : يقول هؤلاء الصناديد ـ إنما أتباعه العميان والعبيد فأعرض عنه ـ وأقبل على القوم الذين كان يكلمهم فنزلت الآيات.
وكان رسول الله بعد ذلك يكرمه ، وإذا رآه قال : مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ، ويقول له : هل لك من حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين.
أقول : روى السيوطي في الدر المنثور القصة عن عائشة وأنس وابن عباس على اختلاف يسير وما أورده الطبرسي محصل الروايات.
وليست الآيات ظاهرة الدلالة على أن المراد بها هو النبي صلىاللهعليهوآله بل خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه بل فيها ما يدل على أن المعنى بها غيره لأن العبوس ليس من صفات النبي صلىاللهعليهوآله مع الأعداء المباينين فضلا عن المؤمنين المسترشدين. ثم الوصف بأنه يتصدى للأغنياء ويتلهى عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة كما عن المرتضى رحمه الله.
وقد عظم الله خلقه صلىاللهعليهوآله إذ قال ـ وهو قبل نزول هذه السورة ـ : « وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ » والآية واقعة في سورة « ن » التي اتفقت الروايات المبينة لترتيب نزول السور على أنها نزلت بعد سورة اقرأ باسم ربك ، فكيف يعقل أن يعظم الله خلقه في أول بعثته ويطلق القول في ذلك ثم يعود فيعاتبه على بعض ما ظهر من أعماله الخلقية ويذمه بمثل التصدي للأغنياء وإن كفروا والتلهي عن الفقراء وإن آمنوا واسترشدوا.
وقال تعالى أيضا : « وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » الشعراء : ٢١٥ فأمره بخفض الجناح للمؤمنين والسورة من السور المكية والآية في سياق قوله : « وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ » النازل في أوائل الدعوة.