وكذا قوله : « لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ » الحجر : ٨٨ وفي سياق الآية قوله : « فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ » الحجر : ٩٤ النازل في أول الدعوة العلنية فكيف يتصور منه صلىاللهعليهوآله العبوس والإعراض عن المؤمنين وقد أمر باحترام إيمانهم وخفض الجناح وأن لا يمد عينيه إلى دنيا أهل الدنيا.
على أن قبح ترجيح غنى الغني ـ وليس ملاكا لشيء من الفضل ـ على كمال الفقير وصلاحه بالعبوس والإعراض عن الفقير والإقبال على الغني لغناه قبح عقلي مناف لكريم الخلق الإنساني لا يحتاج في لزوم التجنب عنه إلى نهي لفظي.
وبهذا وما تقدمه يظهر الجواب عما قيل : إن الله سبحانه لم ينهه صلىاللهعليهوآله عن هذا الفعل إلا في هذا الوقت فلا يكون معصية منه إلا بعده وأما قبل النهي فلا.
وذلك أن دعوى أنه تعالى لم ينهه إلا في هذا الوقت تحكم ممنوع ، ولو سلم فالعقل حاكم بقبحه ومعه ينافي صدوره كريم الخلق وقد عظم الله خلقه صلىاللهعليهوآله قبل ذلك إذ قال : « وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ » وأطلق القول ، والخلق ملكة لا تتخلف عن الفعل المناسب لها.
وعن الصادق عليهالسلام ـ على ما في المجمع ـ أنها نزلت في رجل من بني أمية ـ كان عند النبي صلىاللهعليهوآله فجاء ابن أم مكتوم ـ فلما رآه تقذر منه وجمع نفسه وعبس ـ وأعرض بوجهه عنه ـ فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه.
وفي المجمع ، وروي عن الصادق عليهالسلام أنه قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا رأى عبد الله بن أم مكتوم قال : مرحبا مرحبا والله لا يعاتبني الله فيك أبدا ، وكان يصنع به من اللطف ـ حتى كان يكف عن النبي صلىاللهعليهوآله مما يفعل به.
أقول : الكلام فيه كالكلام فيما تقدمه ، ومعنى قوله : حتى أنه كان يكف « إلخ » أنه كان يكف عن الحضور عند النبي صلىاللهعليهوآله لكثرة صنيعه صلىاللهعليهوآله به انفعالا منه وخجلا.
* * *
( قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذا