قوله تعالى : « إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » جواب القسم ، وضمير « إِنَّهُ » للقرآن أو لما تقدم من آيات السورة بما أنها قرآن بدليل قوله : « لَقَوْلُ رَسُولٍ » إلخ والمراد بالرسول جبريل كما قال تعالى : « مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ » البقرة : ٩٧.
وفي إضافة القول إليه بما أنه رسول دلالة على أن القول لله سبحانه ، ونسبته إلى جبريل نسبة الرسالة إلى الرسول وقد وصفه الله بصفات ست مدحه بها.
فقوله : « رَسُولٍ » يدل على رسالته وإلقائه وحي القرآن إلى النبي صلىاللهعليهوآله ، وقوله : « كَرِيمٍ » أي ذي كرامة وعزة عند الله بإعزازه ، وقوله : « ذِي قُوَّةٍ » أي ذي قدرة وشدة بالغة ، وقوله : « عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ » أي صاحب مكانة عند الله والمكانة القرب والمنزلة ، وقوله : « مُطاعٍ ثَمَ » أي مطاع عند الله فهناك ملائكة يأمرهم فيطيعونه ، ومن هنا يظهر أن له أعوانا من الملائكة يأمرهم فيأتمرون بأمره ، وقوله : « أَمِينٍ » أي لا يخون فيما أمر به يبلغ ما حمله من الوحي والرسالة من غير أي تصرف فيه.
وقيل : المراد بالرسول الجاري عليه الصفات هو النبي صلىاللهعليهوآله ، وهو كما ترى ولا تلائمه الآيات التالية.
قوله تعالى : « وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ » عطف على قوله : « إِنَّهُ لَقَوْلُ » إلخ ورد لرميهم له صلىاللهعليهوآله بالجنون.
وفي التعبير عنه صلىاللهعليهوآله بقوله : « صاحِبُكُمْ » تكذيب لهم في رميهم له بالجنون وتنزيه لساحته ـ كما قيل ـ ففيه إيماء إلى أنه صاحبكم لبث بينكم معاشرا لكم طول عمره وأنتم أعرف به قد وجدتموه على كمال من العقل ورزانة من الرأي وصدق من القول ومن هذه صفته لا يرمى بالجنون.
وتوصيف جبريل بما مر من صفات المدح دون النبي صلىاللهعليهوآله لا دلالة فيه على أفضليته من النبي صلىاللهعليهوآله لأن الكلام مسوق لبيان أن القرآن كلام الله سبحانه منزل على النبي صلىاللهعليهوآله من عنده سبحانه من طريق الوحي لا من أوهام الجنون بإلقاء من شيطان والذي يفيد في هذا الغرض بيان سلامة طريق الإنزال وتجليل المنزل ـ اسم فاعل ـ بذكر أوصافه الكريمة والمبالغة في تنزيهه عن الخطإ والخيانة ، وأما المنزل عليه فلا يتعلق به غرض إلا بمقدار الإشارة إلى دفع ما يرتاب فيه من صفته وقد أفيد بنفي الجنون الذي رموه به