والطير كناسة أي بيته الذي اتخذه لنفسه واستقراره فيه.
وتعقب قوله : « فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ » إلخ بقوله : « وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ » يؤيد كون المراد بالخنس الجوار الكنس الكواكب كلها أو بعضها لكن صفات حركة بعضها أشد مناسبة وأوضح انطباقا على ما ذكر من الصفات المقسم بها : الخنوس والجري والكنوس وهي السيارات الخمس المتحيرة : زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد فإن لها في حركاتها على ما تشاهد استقامة ورجعة وإقامة فهي تسير وتجري حركة متشابهة زمانا وهي الاستقامة وتنقبض وتتأخر وتخنس زمانا وهي الرجعة وتقف عن الحركة استقامة ورجعة زمانا كأنها الوحش تكنس في كناسها وهي الإقامة.
وقيل : المراد بها مطلق الكواكب وخنوسها استتارها في النهار تحت ضوء الشمس وجريها سيرها المشهود في الليل وكنوسها غروبها في مغربها وتواريها.
وقيل : المراد بها بقر الوحش أو الظبي ولا يبعد أن يكون ذكر بقر الوحش أو الظبي من باب المثال والمراد مطلق الوحوش.
وكيف كان فأقرب الأقوال أولها والثاني بعيد والثالث أبعد.
قوله تعالى : « وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ » عطف على الخنس ، و « إِذا عَسْعَسَ » قيد لليل ، والعسعسة تطلق على إقبال الليل وعلى إدباره قال الراغب : « وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ » أي أقبل وأدبر وذلك في مبدإ الليل ومنتهاه فالعسعسة والعساس رقة الظلام وذلك في طرفي الليل. انتهى والأنسب لاتصال الجملة بقوله : « وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ » أن يراد بها إدبار الليل.
وقيل : المراد بها إقبال الليل : وهو بعيد لما عرفت.
قوله تعالى : « وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ » عطف على الخنس ، و « إِذا تَنَفَّسَ » قيد للصبح ، وعد الصبح متنفسا بسبب انبساط ضوئه على الأفق ودفعه الظلمة التي غشيته نوع من الاستعارة بتشبيه الصبح وقد طلع بعد غشيان الظلام للآفاق بمن أحاطت به متاعب أعمال شاقة ثم وجد خلاء من الزمان فاستراح فيه وتنفس فعد إضاءته للأفق تنفسا منه كذا يستفاد من بعضهم.
وذكر الزمخشري فيه وجها آخر فقال في الكشاف : فإن قلت : ما معنى تنفس الصبح؟ قلت : إذا أقبل الصبح أقبل بإقباله روح ونسيم فجعل ذلك نفسا له على المجاز. انتهى والوجه المتقدم أقرب إلى الذهن.