ثم يستأنف وصف اليوم بأنه يوم لا يملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ، وهي من غرر الآيات ، والسورة مكية بلا كلام.
قوله تعالى : « إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ » الفطر الشق والانفطار الانشقاق والآية كقوله : « وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ » الحاقة : ١٦.
قوله تعالى : « وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ » أي تفرقت بتركها مواضعها التي ركزت فيها شبهت الكواكب بلآلي منظومة قطع سلكها فانتثرت وتفرقت.
قوله تعالى : « وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ » قال في المجمع : التفجير خرق بعض مواضع الماء إلى بعض التكثير ، ومنه الفجور لانخراق صاحبه بالخروج إلى كثير من الذنوب ، ومنه الفجر لانفجاره بالضياء ، انتهى. وإليه يرجع تفسيرهم لتفجير البحار بفتح بعضها في بعض حتى يزول الحائل ويختلط العذب منها والمالح ويعود بحرا واحدا ، وهذا المعنى يناسب تفسير قوله : « وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ » التكوير : ٦ بامتلاء البحار.
قوله تعالى : « وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ » قال في المجمع ، بعثرت الحوض وبحثرته إذا جعلت أسفله أعلاه ، والبعثرة والبحثرة إثارة الشيء بقلب باطنه إلى ظاهره ، انتهى. فالمعنى وإذا قلب تراب القبور وأثير باطنها إلى ظاهرها لإخراج الموتى وبعثهم للجزاء.
قوله تعالى : « عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ » المراد بالعلم علمها التفصيلي بأعمالها التي عملتها في الدنيا ، وهذا غير ما يحصل لها من العلم بنشر كتاب أعمالها لظاهر قوله تعالى : « بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ » القيامة : ١٥ وقوله : « يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى » النازعات : ٣٥ ، وقوله : « يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ » آل عمران : ٣٠.
والمراد بالنفس جنسها فتفيد الشمول ، والمراد بما قدمت وما أخرت هو ما قدمته مما عملته في حياتها ، وبما أخرت ما سنته من سنة حسنة أو سيئة فعملت بها بعد موتها فتكتب صحيفة عملها قال تعالى : « وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ » يس : ١٢.
وقيل : المراد بما قدمت وأخرت ما عملته في أول العمر وما عملته في آخره فيكون كناية عن الاستقصاء.
وقيل في معنى التقديم والتأخير وجوه أخر لا يعبأ بها مذكورة في مطولات التفاسير من أراد الوقوف عليها فليراجعها.