وقد تقدم في تفسير قوله تعالى : « لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ » الأنفال : ٣٧ ، كلام لا يخلو من نفع هاهنا.
قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ـ إلى قوله ـ رَكَّبَكَ » عتاب وتوبيخ للإنسان ، والمراد بهذا الإنسان المكذب ليوم الدين ـ على ما يفيده السياق المشتمل على قوله : « بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ » وفي تكذيب يوم الدين كفر وإنكار لتشريع الدين وفي إنكاره إنكار لربوبية الرب تعالى ، وإنما وجه الخطاب إليه بما أنه إنسان ليكون حجة أو كالحجة لثبوت الخصال التي يذكرها من نعمه عليه المختصة من حيث المجموع بالإنسان.
وقد علق الغرور بصفتي ربوبيته وكرمه تعالى ليكون ذلك حجة في توجه العتاب والتوبيخ فإن تمرد المربوب وتوغله في معصية ربه الذي يدبر أمره ويغشيه نعمه ظاهرة وباطنة كفران لا ترتاب الفطرة السليمة في قبحه ولا في استحقاق العقاب عليه وخاصة إذا كان الرب المنعم كريما لا يريد في نعمه وعطاياه نفعا ينتفع به ولا عضوا يقابله به المنعم عليه ، ويسامح في إحسانه ويصفح عما يأتي به المربوب من الخطيئة والإثم بجهالة فإن الكفران حينئذ أقبح وأقبح وتوجه الذم واللائمة أشد وأوضح.
فقوله تعالى : « يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ » استفهام توبيخي يوبخ الإنسان بكفران خاص لا عذر له يعتذر به عنه وهو كفران نعمة رب كريم.
وليس للإنسان أن يجيب فيقول : أي رب غرني كرمك فقد قضى الله سبحانه فيما قضى وبلغه بلسان أنبيائه : « لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ » إبراهيم : ٧ ، وقال : « فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى » النازعات : ٣٩ ، إلى غير ذلك من الآيات الناصة في أن لا مخلص للمعاندين من العذاب وأن الكرم لا يشملهم يوم القيامة قال : « وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ » الأعراف : ١٥٦ ولو كفى الإنسان العاصي قوله : « غرني كرمك » لصرف العذاب عن الكافر المعاند كما يصرفه عن المؤمن العاصي ، ولا عذر بعد البيان
ومن هنا يظهر أن لا محل لقول بعضهم : إن توصيف الرب بالكريم من قبيل تلقين الحجة وهو من الكرم أيضا.
كيف؟ والسياق سياق الوعيد والكلام ينتهي إلى مثل قوله : « وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي