يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (١٩) ).
( بيان )
السورة تأمر النبي صلىاللهعليهوآله بقيام الليل والصلاة فيه ليستعد بذلك لتلقي ثقل ما سيلقى عليه من القول الثقيل والقرآن الموحي إليه ، وتأمره أن يصبر على ما يقولون فيه أنه شاعر أو كاهن أو مجنون إلى غير ذلك ويهجرهم هجرا جميلا ، وفيها وعيد وإنذار للكفار وتعميم الحكم لسائر المؤمنين ، وفي آخرها تخفيف ما للنبي صلىاللهعليهوآله والمؤمنين.
والسورة مكية من عتائق السور النازلة في أول البعثة حتى قيل : إنها ثانية السور النازلة على النبي صلىاللهعليهوآله أو ثالثتها.
قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ » بتشديد الزاي والميم وأصله المتزمل اسم فاعل من التزمل بمعنى التلفف بالثوب لنوم ونحوه ، وظاهره أنه صلىاللهعليهوآله كان قد تزمل بثوب للنوم فنزل عليه الوحي وخوطب بالمزمل.
وليس في الخطاب به تهجين ولا تحسين كما توهمه بعضهم ، نعم يمكن أن يستفاد من سياق الآيات أنه صلىاللهعليهوآله كان قد قوبل في دعوته بالهزء والسخرية والإيذاء فاغتم في الله فتزمل بثوب لينام دفعا للهم فخوطب بالمزمل وأمر بقيام الليل والصلاة فيه والصبر على ما يقولون على حد قوله تعالى : « اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ » البقرة : ١٥٣ فأفيد بذلك أن عليه أن يقاوم الكرب العظام والنوائب المرة بالصلاة والصبر لا بالتزمل والنوم.
وقيل : المراد يا أيها المتزمل بعباءة النبوة أي المتحمل لأثقالها ، ولا شاهد عليه من جهة اللفظ.
قوله تعالى : « قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً » المراد بقيام الليل القيام فيه إلى الصلاة فالليل مفعول به توسعا كما في قولهم : دخلت الدار ، وقيل : معمول « قُمِ » مقدر و « اللَّيْلَ » منصوب على الظرفية والتقدير قم إلى الصلاة في الليل ، وقوله : « إِلَّا قَلِيلاً » استثناء من الليل.