( بحث روائي )
في الدر المنثور ، أخرج البزار والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال : اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا : سموا هذا الرجل اسما يصدر الناس عنه فقالوا : كاهن. قالوا ليس بكاهن. قالوا : مجنون. قالوا : ليس بمجنون. قالوا ساحر. قالوا : ليس بساحر. قالوا : يفرق بين الحبيب وحبيبه ـ فتفرق المشركون على ذلك.
فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوآله فتزمل في ثيابه وتدثر فيها ـ فأتاه جبريل فقال : يا أيها المزمل يا أيها المدثر.
أقول : آخر الرواية لا يخلو من شيء حيث إن ظاهرها نزول السورتين معا. على أن القرآن حتى في سورة المدثر يحكي تسميتهم له صلىاللهعليهوآله بألقاب السوء كالكاهن والساحر والمجنون والشاعر ولم يذكر فيها قولهم : يفرق بين الحبيب وحبيبه.
وفيه ، أخرج عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة عن عائشة قالت : كان النبي صلىاللهعليهوآله قلما ينام من الليل لما قال الله له : « قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ».
وفي الكشاف ، عن عائشة : أنها سألت : ما كان تزميله؟ قالت : كان مرطا طوله أربع عشرة ذراعا ـ نصفه علي وأنا نائمة ونصفه عليه وهو يصلي. فسئلت : ما كان؟ قالت : والله ما كان خزا ولا قزا ـ ولا مرعزيا ولا إبريسما ولا صوفا. كان سداه شعرا ولحمته وبرا.
أقول : الرواية مرمية بالوضع فإن السورة من العتائق النازلة بمكة ، وعائشة إنما بنى عليها النبي صلىاللهعليهوآله بالمدينة بعد الهجرة.
وعن جوامع الجامع ، روي : أنه قد دخل على خديجة وقد جئث فرقا (١) فقال : زملوني فبينا هو على ذلك إذ ناداه جبريل : « يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ».
وفي الدر المنثور ، أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت « يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً » مكث النبي صلىاللهعليهوآله على هذه الحال عشر سنين ـ يقوم الليل كما أمره الله ـ وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه ـ فأنزل الله بعد عشر سنين « إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ ـ إلى قوله ـ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ » فخفف الله عنهم بعد عشر سنين.
__________________
(١) جئث الرجل ثقل عند القيام أو عند حمل شيء ثقيل والفرق : الفزع والخوف.