صُدُورِ الْعالَمِينَ وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ » العنكبوت : ١١.
والآيتان في سورة مكية وهي سورة العنكبوت ، وهما ناطقتان بوجود النفاق فيها ومع الغض عن كون السورة مكية فاشتمال الآية على حديث الإيذاء في الله والفتنة أصدق شاهد على نزول الآيتين بمكة فلم يكن بالمدينة إيذاء في الله وفتنة ، واشتمال الآية على قوله : « وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ » إلخ لا يدل على النزول بالمدينة فللنصر مصاديق أخرى غير الفتح المعجل.
واحتمال أن يكون المراد بالفتنة ما وقعت بمكة بعد الهجرة غير ضائر فإن هؤلاء المفتونين بمكة بعد الهجرة إنما كانوا من الذين آمنوا بالنبي صلىاللهعليهوآله قبل الهجرة وإن أوذوا بعدها.
وعلى مثل ذلك ينبغي أن يحمل قوله تعالى : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ » الحج : ١١ إن كان المراد بالفتنة العذاب وإن كانت السورة مدنية.
* * *
وقوله : « كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ » الإشارة بذلك إلى مضمون قوله : « وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً » إلخ.
وقوله : « وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ » علق تعالى العلم المنفي بالجنود ـ وهي الجموع الغليظة التي خلقهم وسائط لإجراء أوامره ـ لا بخصوص عدتهم فأفاد بإطلاقه أن العلم بحقيقتهم وخصوصيات خلقتهم وعدتهم وما يعملونه من عمل ودقائق الحكمة في جميع ذلك يختص به تعالى لا يشاركه فيه أحد ، فليس لأحد أن يستقل عدتهم أو يستكثر أو يطعن في شيء مما يرجع إلى صفاتهم وهو جاهل بها.
وقوله : « وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ » الضمير راجع إلى ما تقدم من قوله : « عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ » وتأنيثه لتأنيث الخبر ، والمعنى أن البشر لا سبيل لهم إلى العلم بجنود ربك وإنما أخبرنا عن خزنة النار أن عدتهم تسعة عشر ليكون ذكرى لهم يتعظون بها.
وقيل : الضمير للجنود ، وقيل : لسقر ، وقيل للسورة ، وقيل : لنار الدنيا وهو