بمعنى الرهن على ما ذكره الزمخشري قال في الكشاف : رهينة ليست بتأنيث رهين في قوله : « كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ » لتأنيث النفس لأنه لو قصدت لقيل : رهين لأن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وإنما هي اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم كأنه قيل : كل نفس بما كسبت رهن. انتهى.
وكان العناية في عد كل نفس رهينة أن لله عليها حق العبودية بالإيمان والعمل الصالح فهي رهينة محفوظة محبوسة عند الله حتى توفي دينه وتؤدي حقه تعالى فإن آمنت وصلحت فكت وأطلقت ، وإن كفرت وأجرمت وماتت على ذلك كانت رهينة محبوسة دائما ، وهذا غير كونها رهين عملها ملازمة لما اكتسبت من خير وشر كما تقدم في قوله تعالى : « كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ » الطور ٢١.
والآية في مقام بيان وجه التعميم المستفاد من قوله : « نَذِيراً لِلْبَشَرِ لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ » فإن كون النفس الإنسانية رهينة بما كسبت يوجب على كل نفس أن تتقي النار التي ستحبس فيها إن أجرمت ولم تتبع الحق.
قوله تعالى : « إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ » هم الذين يؤتون كتابهم بأيمانهم يوم الحساب وهم أصحاب العقائد الحقة والأعمال الصالحة من متوسطي المؤمنين ، وقد تكرر ذكرهم وتسميتهم بأصحاب اليمين في مواضع من كلامه تعالى ، وعلى هذا فالاستثناء متصل.
والمتحصل من مجموع المستثنى منه والمستثنى انقسام النفوس ذوات الكسب إلى نفوس رهينة بما كسبت وهي نفوس المجرمين ، ونفوس مفكوكة من الرهن مطلقة وهي نفوس أصحاب اليمين ، وأما السابقون المقربون وهم الذين ذكرهم الله في مواضع من كلامه وعدهم ثالثة الطائفتين وغيرهما كما في قوله تعالى : « وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً ـ إلى أن قال ـ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ » الواقعة : ١١ ، فهؤلاء قد استقروا في مستقر العبودية لا يملكون نفسا ولا عمل نفس فنفوسهم لله وكذلك أعمالهم فلا يحضرون ولا يحاسبون قال تعالى : « فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ » الصافات : ١٢٨ ، فهم خارجون عن المقسم رأسا.
وعن بعضهم تفسير أصحاب اليمين بالملائكة ، وعن بعضهم التفسير بأطفال المسلمين وعن بعضهم أنهم الذين كانوا عن يمين آدم يوم الميثاق ، وعن بعضهم أنهم الذين سبقت