وقد كان عمرو بن عبيد اجتمع مع هشام بن الحكم وهشام يذهب إلى القول بأنّ الإمامة نصٌّ من الله ورسوله على علي بن أبي طالب (رضي الله تعالى عنه) وعلى مَنْ يلي عصره من ولده الطاهرين كالحسن والحسين ومَنْ يلي أيامهم وعمرو يذهب إلى أنّ الإمامة اختيار من الأُمّة في سائر الأعصار. فقال هشام لعمرو بن عبيد : لِمَ خلق الله لك عينين؟ قال : لأنظر بهما إلى ما خلق الله من السماوات والأرض وغير ذلك فيكون ذلك دليلاً عليه. فقال هشام : فلِمَ خلق الله لك سمعاً؟ قال : لأسمع به التحليل والتحريم والأمر والنهي. فقال له هشام : لِمَ خلق الله لك لساناً؟ فقال عمرو : لأَعبّر به عمّا في قلبي وأُخاطب به مَنْ افترض عليَّ أمره ونهيه. قال هشام : فلِمَ خلق الله لك قلباً؟ قال عمرو : لتكون هذه الحواسّ مؤدّية إليه فيكون مميّزاً بين منافعها ومضارّها. قال هشام : فكان يجوز أن يخلق الله سائر حواسّك ولا يخلق لك قلباً تؤدّي هذه الحواسّ إليه؟ قال عمرو : لا. فقال هشام : ولِمَ؟ قال : لأنّ القلب باعث لهذه الحواسّ على ما يصلح له فلو لم يخلق الله فيها انبعاثاً من نفسها استحال أن لا يخلق لها باعثاً يبعثها على ما خلقت له إلاّ بخلق القلب فيكون هو الباعث لها على ما تفعله والمميّز لها بين مضارّها ومنافعها ويكون الإمام من الخلق بمنزلة القلب من سائر الحواسّ إذا كانت الحواسّ راجعة إلى القلب لا إلى غيره ويكون سائر الخلق راجعين إلى الإمام لا إلى غيره. فلم يأت عمرو بفرق يعرف(١).
____________________
(١) مروج الذهب : ج ٤ ص ١١٥.