الثالث : إنّ الحبّ والود والوئام المنشود من الزواج ، قد لاحظه الإسلام وشرّع الحياة الزوجية لملاكات ، من أهمها إشباع الجانب الروحي المتعطش إلى المودة ، وتعدّد الزوجات ينافي ذلك ; لأنّ القلب لا يتقسم ، والعواطف بين الزوجين لا يمكن تقسيمها على زوجات متعدّدة. فيكون تعدّد الزوجات منافياً للوّد والحبّ المنشود من الزواج ، فيكون تشريعه مخالفاً لهذا الملاك المهم من تشريع الزواج ، فيكون مخالفاً للوجدان وقبيحاً.
والجواب : إنّنا لانعترف بأنّ الحبّ والود والعواطف القلبية وما إليها تتنافى مع تعدّد الزوجات ، فإنّ الروح الإنسانية تتسع لحب أكثر من زوجة ، وذلك لمشاهدتنا بكلّ وضوح أنّ الأب قد يكون له عشرة أولاد أو أكثر ، ومع ذلك فهو يحبّ كلّ واحد منهم حباً مفرطاً إلى درجة التفاني ، فليكن الأمر كذلك بالنسبة للزوج مع زوجاته.
نعم ، إنّنا نرى أحياناً أنّ تعدّد الزوجات يولّد نقصاً في الحبّ المتبادل بين الزوجين ، ولكنّ هذا إنّما يحصل لأجل عوامل اُخرى كعامل الغيرة والحسد أو عدم تحقيق العدالة وما شابهها ممّا حاربه الإسلام ونهى عنه.
إذن ، بعد ردّ كلّ ما يمكن أن يجعل تعدّد الزوجات مخالفاً للوجدان ، لم نجد أيّ مشكلة في تعدّد الزوجات.
نعم ، الشيء الوحيد الذي قد ينتج من تعدّد الزوجات عبارة عن عدم تحقّق العدالة والمساواة العملية بين الزوجات ، وقد حسب الإسلام لهذه المشكلة حساباً ، فأمر أمراً إلزامياً بدرجة من العدالة ، وهي التي قد نهى عن تركها وقال : (فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) ، وأمّا سائر الدرجات من العدالة فقد جعلها مستحبة بعد إعطاء كلّ زوجة حقّها.