إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً) فجأة (أَوْ جَهْرَةً) معاينة ورؤية [على ما أشركوا] (هَلْ يُهْلَكُ) بالعذاب (إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) المشركون (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ) العمل (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) حين يخاف أهل النار (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) إذا حزنوا (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) بمحمد والقرآن (يَمَسُّهُمُ) يصيبهم (الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) يرتكبون (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) يعني رزق الله (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) ما يخفى عن الناس (وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) فتنكرون قولي وتجحدون أمري (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) وذلك غير منكر ولا مستحيل في العقل مع وجود الدلائل والحجة البالغة (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) الكافر والمؤمن والضال والمهتدي (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) لا يستويان (وَأَنْذِرْ) خوّف (بِهِ) بالقرآن.
قال الضحّاك : (بِهِ) أي بالله (الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا) يبعثوا ويحيوا (إِلى رَبِّهِمْ) وقيل : يعلمون أن يحشروا لأن خوفهم بما كان من عملهم (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ) من دون الله (وَلِيٌ) يعني قريب ينفعهم (وَلا شَفِيعٌ) يشفع لهم (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) الآية ، قال سليمان ، وخباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية.
جاء الأقرع بن حابس التميمي ، وعيينة بن حصين الفزاري وهم من (الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) فوجدوا النبي صلىاللهعليهوسلم قاعدا مع بلال وصهيب وعمار وخباب في ناس من ضعفاء المسلمين فلما رأوهم حوله حقروهم فأتوه فقالوا : يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس ويغيب عنها هؤلاء وأرواح جبابهم. وكانت عليهم جباب من صوف لم يكن عليهم غيرها. لجالسناك وحادثناك وأخذنا عنك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ» قالوا : فأنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن يرانا العرب مع هؤلاء الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم وإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت ، قال : نعم ، قالوا : أكتب لنا بذلك كتابا ، قال : فدعانا لصحيفة ودعا عليا ليكتب.
قال : ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبرئيل عليهالسلام بقوله (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) إلّا بشيء فألقى رسول الله صلىاللهعليهوسلم الصحيفة من يده ثم دعانا فأتيناه وهو يقول : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (١) فكنا نقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله عزوجل هذه الآية (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) الآية ، قال : وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقعد معنا بعمد وندنو منه حتى كادت ركبنا تمسّ ركبه فإذا بلغ الساعة التي يقوم قمنا وتركناه حتى يقوم وقال : «الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي [معكم المحيا ومعكم] (٢) الممات» [١٣٥] (٣).
__________________
(١) سورة الأنعام : ٥٤.
(٢) التقويم من المصدر.
(٣) جامع البيان : ١٥ / ٢٩٤.