وبعد ذلك (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (١). فلما كان حالات أهل الجنة مقرونة بالسلام إما من الخلق وإما من الحق سمّاها الله دار السلام (وَهُوَ وَلِيُّهُمْ) ناصرهم ومعينهم (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
قال الحسن بن الفضل : يعني يتولاهم في الدنيا بالتوفيق وفي الآخرة بالجزاء. (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) الجن والإنس يجمعهم في يوم القيامة فيقول : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) أي من إضلال الناس وإغوائهم (وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ) الذين أطاعوهم (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ).
قال الكلبي : استمتاع الإنس بالجن. هو أن الرجل إذا سافر أو خرج فمشى بأرض قفر أو أصاب صيدا من صيدهم فخاف على نفسه منهم. فقال : أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه فيثبت جواز منهم ، واستمتاع الجن بالإنس هو أن قالوا : قد سدنا الإنس مع الجن حتى عاذوا بنا فيزدادون شرفا في قومهم وعظما في قومهم وهذا معنى قوله تعالى (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ). الآية.
وقال محمد بن كعب وعبد العزيز بن يحيى : هو طاعة بعضهم بعضا وموافقة بعضهم بعضا وقيل : استمتاع الإنس بالجن بما كانوا يأتون إليهم. من الأراجيف والسحر والكهانة ، فاستمتاع الجن بالإنس إغراء الجن الإنس واتباع الإنس إياهم (وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) يعني الموت والبعث. قال الله تعالى (قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ) يعني قدّر مدة ما بين بعثهم إلى دخولهم جهنم.
قال ابن عباس : هذا الاستثناء هو أنه لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه لا يولهم جنة ولا نارا.
وقال الكلبي : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) وكان ما شاء الله أبدا.
وقيل : معناه (النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها) سوى (ما شاءَ اللهُ) من أنواع العذاب وقيل : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) من إخراج أهل التوحيد من النار.
وقيل : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أن يزيدهم من العذاب فيها.
وقيل : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) من كونهم في الدنيا بغير عذاب.
وقال عطاء : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) من الحق في عمله أن يؤمن فمنهم من آمن من قبل الفتح ومنهم من آمن من بعد الفتح.
__________________
(١) سورة يس : ٥٨.