(وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) يعني [الشروب] وشحم الكليتين (إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) أي ما علق بالظهر والجانب إلّا من داخل بطونها (أَوِ الْحَوايا) يعني الماعز (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) مثل لحم الإلية (ذلِكَ) التحريم (جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) بظلمهم عقوبة لهم بقتلهم الأنبياء وصدهم عن سبيل الله وأخذهم الربا واستحلالهم أموال الناس بالباطل (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) في أخبارنا عن هؤلاء اليهود وعمّا حرّمنا عليهم من اللحوم والشحوم.
(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) [لمّا الزمنا بينهم] الحجّة وتبيّنوا وتيقنوا باطل ما كانوا عليه (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) من قبل (وَلا حَرَّمْنا) ما حرّمنا من التغاير والسوايب وغير ذلك لأنّه قادر على أن يحمل بيننا وبين ذلك حتّى لا نفعله ولكنّه رضي منا ما نحن عليه من عبادة الأصنام وتحريم الحرث والأنعام وأراد منّا وأمرنا به فلم يحل بيننا وبين ذلك فقال الله تعالى تكذيبا لهم وردّا عليهم (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ولو كان كذلك خيرا من الله تعالى عن من كذّبهم في قولهم (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) لقال كذلك (كذّب الذين من قبلهم) بتخفيف الذال وكان نسبهم إلى الكذب لا إلى التكذيب.
وقال الحسن بن الفضل : [لمّا خبّروا بهذه المقالة] تعظيما وإجلالا لله سبحانه وتعالى وصفة منهم به لمّا عابهم ذلك ، لأن الله قال (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) وقال سبحانه : (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) وقال (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) والمؤمنون يقولون هذا ولكنّهم قالوا ذلك تكذيبا وتخرصا وبدلا من غير معرفة بالله تعالى وبما [يقولون] نظيره قوله (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) (١) ، قال الله تعالى (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) بقولهم هذا من غير علم بيّنهم بآية والمؤمنون وبقوله وعلم منهم بالله عزوجل ثمّ قال (هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ) من حظ وحجّة على ما يقولون من غير علم ويقين (وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) تكذّبون (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) التامة الكافية على خلقه (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) أي احضروهم وأتوا بهم فقالوا : نحن نشهد ، فقال الله تعالى : (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) إلى قوله (يَعْدِلُونَ) يشركون.
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
__________________
(١) سورة الزخرف : ٢٠.