قلّ شكره وحبط عمله ، ومن زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئا فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه لقوله تعالى (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)» [١٨٦] (١).
وأنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال : أنشدنا أبو الحسن عيسى بن زيد العقيلي ، أنشدنا أبو المثنّى معاذ بن المثنى العنبري عن أبيه محمود بن الحسن الورّاق قال :
إن لله كل الأمر في كل خلقه |
|
ليس إلى المخلوق شي من الأمر |
(تَبارَكَ اللهُ) قال الضحاك : (تَبارَكَ) تعظم ، الخليل ابن أحمد : (تَبارَكَ) تمجد ، القتيبي : تفاعل من البركة ، الحسين بن الفضيل : (تَبارَكَ) في ذاته وبارك فيمن شاء من خلقه (رَبُّ الْعالَمِينَ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً) تذلّلا واستكانة (وَخُفْيَةً) سرّا.
وروى عاصم الأحول عن ابن عثمان الهندي عن أبي موسى قال : كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم في غزاء فأشرفوا على واد فجعل [ناس] يكبّرون ويهلّلون ويرفعون أصواتهم فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «أيّها الناس أربعوا على أنفسكم إنّكم لا تدعون أصم ولا [غائبا] إنّكم تدعون سميعا قريبا إنّه معكم» [١٨٧] (٢).
وقال الحسن : بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا ثمّ قال : إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما شعر به جاره فالرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس. وإن كان الرجل ليصلّي الصلاة الطويلة في بيت وعنده الدور وما يشعرون به ، ولقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السرّ فيكون علانية أبدا.
ولقد كان المسلمون [يجتهدون] في الدعاء ولا يسمع لهم صوتا كأن كان إلا همسا بينهم وبين دينهم ، وذلك أن الله تعالى يقول : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) وإن الله ذكر عبدا صالحا ورضى فعله فقال عزّ من قائل : (نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا).
(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) في الدعاء ، قال أبو مجلن : هم الذين يسألون منازل الأنبياء ، وقال عطيّة العوفي : هم الذين يدعونه فيما لا يحل على المؤمنين فيقولون : اللهمّ أخزهم اللهمّ ألعنهم ، قال ابن جريج : من [الاعتداء] رفع الصوت والنداء بالدعاء والصفح وكانوا يؤمرون بالتضرّع والاستكانة (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بالشرك والمعصية والدعاء إلى غير عبادة الله (بَعْدَ إِصْلاحِها) بعد [إصلاح] الله إيّاها يبعث الرسل ، والأمر بالحلال والنهي عن المنكر والحرام وكل أرض قبل أن يبعث لها نبي فاسدة حتّى يبعث الرسل إليها فيصلح الأرض بالطاعة.
وقال عطيّة : معناه لا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر ويهلك الحرث بمعاصيكم (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) قال الكلبي : (خَوْفاً) منه ومن عذابه (وَطَمَعاً) فيما عنده من مغفرته وثوابه ،
__________________
(١) تفسير الطبري : ٨ / ٢٦٩.
(٢) المصنف لابن أبي شيبة : ٢ / ٣٧٢.