وقال ابن حيان : هم مؤمنوا أهل الكتاب. وقال عطاء : هم المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان قد سماهم الله تعالى في سورة براءة. وقال الكلبي : هم من جميع الخلق (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) قال بعضهم : سنأخذهم بالعذاب ، وقال الكلبي : نزيّن لهم أعمالهم فنهلكهم. وقال الضحاك : كلما جددوا لنا معصية جددنا لهم نعمة ، وقال الخليل بن أحمد : سنطوي وإن أعمارهم في اغترار منهم (١).
وقال أبو عبيدة والمؤرخ : الاستدراج أن يأتيه من حيث لا يعلم.
وقال أهل المعاني : الاستدراج أن ندرج إلى الشيء في خفيّة قليلا قليلا ولا يباغت ولا يجاهر. يقال : استدرج فلانا حتّى تعرف ما صنع أي لا يجاهر ولا يهجم عليه ، قال : ولكن استخرج ما عنده قليلا قليلا وأصله من [الدرج] وذلك أن الراقي والنازل يرقى وينزل مرقاة مرقاة فاستعير [هذا عنه]. ومنه الكتاب إذا طوى شيئا بعد شيء ، ودرج القوم إذا مات بعضهم في دار بعض ، ودرج الصبي إذا قارب من خطاه في المشي (وَأُمْلِي لَهُمْ) يعني أمهلهم وأطيل من الملاواة وهو الدهر ، ومنه مليت أي غشت دهرا (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) أي أخذي قوي مديد قلت : في المستهزئين ، فقتلهم الله في ليلة واحدة (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ).
قتادة : ذكر لنا أن نبي الله صلىاللهعليهوسلم قام على الصفا ليلا فجعل يدعو قريشا فخذا فخذا يا بني فلان يا بني فلان يحذرهم بأس الله عزوجل ، ووقائعه فقال قائلهم : إن صاحبكم هذا لمجنون بات يصوّت حتى الصباح فأنزل الله (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ). ما بمحمد من مجنون (٢).
(إِنْ هُوَ) ما هو (إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) مخوف (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ) ملك (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ) فيهما (مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى) وهي أن لعلّ (أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) فيهلكوا على الكفر ويصبروا إلى العذاب (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ) بعد القرآن (يُؤْمِنُونَ) ثمّ بيّن العلّة في إعراضهم عن القرآن وتركهم الإيمان فقال عز من قائل : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ) فلا مرشد له (وَيَذَرُهُمْ) قرأ أبو عمرو وأهل الكوفة بالياء ، لأن ذكر الله سبحانه قد مرّ من قبل. والباقون بالنون ، لأنّه كلام [مستأنف] ومن جزم الراء فهو ممدود على (يُضْلِلِ).
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (١٨٧) قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨)
__________________
(١) راجع زاد المسير : ٣ / ٢٠٠.
(٢) زاد المسير : ٣ / ٢٠١.