فأتي بقوس طويلة فقال : جيئوني بغيرها ، فجاءوا بقوس كبداء فرمى النبيّ صلىاللهعليهوسلم الحصن فأقبل السهم يهوي حتّى قتل كنانة بن أبي الحقيق وهو على فراشه فأنزل الله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) فهذا سبب نزول الآية (١).
فأمّا معناها فإن الله تعالى أضاف القتل والرمي إلى نفسه لأنّه كان منه تعالى التسبيب والتسديد ومن رسوله والمؤمنين الضرب والحذف. وكذلك سائر أفعال الخلق المكتسبة من الله تعالى الإنشاء والإيجاد بالقدرة القديمة التامّة ومن الخلق الاكتساب بالقوى المحدثة ، وفي هذا القول دليل على ثبوت مذهب أهل الحق وبطلان قول القدريّة.
وقيل : إنّما أضافها إلى نفسه لئلّا يعجب القوم.
قال مجاهد : قال هذا : قتلت ، وقال هذا : قتلت ، فأنزل الله هذه الآية.
وقال الحسن : أراد فلم تميتوهم ولكن الله أماتهم وأنتم جرحتموهم لأن إخراج الروح إليه لا إلى غيره.
قال (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) أي [قتل] يبلغ إلى المشركين بها وملأ عيونهم منها.
وقال ابن إسحاق : (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) أي لم يكن ذلك رميتك لولا الذي جعل الله فيها من نصرك وما ألقى في صدور عدوك منها حتّى هزمهم.
وقال أبو عبيده : تقول العرب : رمى الله لك ، أي نصرك. قال الأعمش : (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) أي وفّقك وسدّد رميتك (٢).
(وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) أي ولينعم على المؤمنين نعمه عظيمة بالنصر والغنيمة والأجر والثواب.
وقال ابن إسحاق : ليعرف المؤمنين نعمة نصرهم وإظهارهم على عدوهم مع قلّة عددهم وكثرة عدوّهم ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا نعمه (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لأقوالهم (عَلِيمٌ) بأفعالهم سميع بأسرارهم عليم بإضمارهم (ذلِكُمْ) يعني : ذكرت من القتل والرمي والأجل الحسن (وَأَنَّ
__________________
(١) أسباب النزول : ١٥٦ ، وتفسير ابن كثير : ٢ / ٣٠٨.
(٢) أقول هذا حاصل من الآية ، إنما الآية تريد أن تنزل ضربة الرسول الأعظم منزلة ضربة الباري عزوجل ، ففي عين أن الرسول هو الرامي الله تعالى هو الرامي ، وهو في قوة الحديث القدسي المشهور : «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل [والعبادات] حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الذي يبطش بها ورجله التي يمشي بها» راجع غوالي اللئالي : ٤ / ١٠٣ ح ١٥٢ ، وكنز العمال : ١ / ٢٢٩ ح ١١٥٥.