وهي أربعة ، ثلاثة فرد ، وواحد زوجي وهي : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، وواحد فرد وهو رجب.
وقال مجاهد وابن إسحاق وابن زيد وعمر بن شعيب : هي شهور العهد ، وقيل لها الحرم لأن الله حرّم فيها على المؤمنين دماء المشركين والتعرض لهم إلا سبيل الخير (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) في الحلّ والحرم ، وجدتموهم فأسروهم (وَاحْصُرُوهُمْ) وامنعوهم دخول مكة والتصرف في بلاد الإسلام (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) أي على كل طريق ومرقب ، يقال :
رصدت فلانا أرصده رصدا إذا رقبته. قال عامر بن الطفيل.
ولقد علمت وما إخالك ناسيا |
|
أن في المنيّة للفتى بالمرصد (١) |
(فَإِنْ تابُوا) من الشرك (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) يقول : دعوهم في أمصارهم ، ودعوهم يدخلوا مكة (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [........] (٢) في حكم هذه الآية.
قال الحسين بن الفضل : فنسخت هذه الآية كل آية في القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء ، وقال الضحاك والسدّي وعطاء : قوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) منسوخة بقوله : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) (٣) وقال قتادة : بل هي ناسخة لقوله : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً).
والصحيح أنّ حكم هذه الآية ثابت ، وأنها غير منسوخة إحداهما بصاحبتها لأنّ المنّ ، والقتل ، والفداء لم يزل من حكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فهم من أول حاربهم وهو يوم بدر ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَخُذُوهُمْ) والأخذ هو الأسر ، والأسر إنّما يكون للقتل أو الفداء ، والدليل عليه أيضا
قول عطاء قال : أتى النبي صلىاللهعليهوسلم بأسير يقال له أبو أمامة وهو سيد اليمامة ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «يا أبا أمامة أيّها أحب إليك : أعتقك أو أفاديك أو أقتلك أو تسلم؟» [٣]. فقال : أن تعتق تعتق عظيما ، وأن تفاد عظيما ، وإن تقتل تقتل عظيما ، وأما أن أسلم فلا والله لا أسلم أبدا.
قال فأني أعتقتك. فقال : إني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسوله.
وكانت مادّة ميرة مكة من قبل اليمامة فقال لأهل مكة : والذي لا إله إلا هو لا تأتيكم ميرة أبدا ، ولا حبّة من قبل اليمامة حتى تؤمنوا بالله ورسوله فأضرّ إلى أهل مكة فكتبوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم أيّهم له حزب يشكون ذلك إليه ، فكتب إلى أبي أمامة : لا تقطع عنهم ميرة كانت من قبلك ، ففعل ذلك أبو أمامة.
(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا
__________________
(١) انظر : تفسير القرطبي : ٨ / ٧٣.
(٢) كلام غير مقروء.
(٣) سورة محمّد : ٤.