لأن ياءه كانت واوا مفتوحة ، وهي عين الفعل أصله ضواء فسكنت وجعلت ياء كما جعلت في الصيام والقيام (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) أي قدر له بمعنى هيأ له وسوى له منازل لا يجاوزها ولا يقصر دونها.
وقيل : جعل قدر مما يتعدى لمفعولين ولم يقل قدرهما ، وقد ذكر الشمس والقمر وفيه وجهان : أحدهما أن يكون الهاء للقمر خاصة بالأهلة يعرف انقضاء الشهور والسنين لا بالشمس ، والآخر أن يكون قد اكتفى بذكر أحدهما من الآخر ، كما قال : (اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) (١) وقد مضت هذه المسألة (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ) دخولها وانقضائها (وَالْحِسابَ) يعني وحساب الشهور والأيام والساعات (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ) مثل ما في الفصل والخلق والتقدير ، ولولا [وجود] الأعيان المذكور لقال : تلك (إِلَّا بِالْحَقِ) لم يخلقه باطلا بل إظهارا لصنعه ودلالة على قدرته وحكمته ، (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) فهذا الحق (يُفَصِّلُ الْآياتِ) يبيّنها (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
قال ابن كثير وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم : (يُفَصِّلُ) بالياء ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله قبله (ما خَلَقَ اللهُ) وبعده (وَما خَلَقَ اللهُ) فيكون متبعا له ، وقرأ ابن السميقع بضم الياء وفتح الصاد ورفع التاء من الآيات على مجهول الفعل ، وقرأ الباقون بالنون على التعظيم.
(إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) يوقنون فيعلمون ويقرّون.
قال ابن عباس : قال أهل مكة : آتينا بآية حتى نؤمن بك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) يعني لا يخافون عقابنا ولا يرجون ثوابنا ، والرجاء يكون بمعنى الهلع والخوف (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) فاختاروها دارا لهم (وَاطْمَأَنُّوا بِها) وسكنوا إليها.
قال قتادة في هذه الآية : إذا شئت رأيت صاحب دنيا لها يفرح ولها يحزن ولها يرضى ولها يسخط.
(وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا) أدلتنا (غافِلُونَ) لا يعتبرون. قال ابن عباس (عَنْ آياتِنا) محمد والقرآن (غافِلُونَ) معرضون تاركون مكذبون (أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من الكفر والتكذيب (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) فيه إضمار واختصار أي يهديهم ربهم بإيمانهم إلى مكان (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) قال أبو روق : (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) إلى الجنة ، قال عطية : (يَهْدِيهِمْ) ويثيبهم ويجزيهم ، وقيل ينجيهم.
__________________
(١) سورة التوبة : ٦٢.