اثبتوا وقفوا في موضعكم ولا تبرحوا (أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) يعني الأوثان (فَزَيَّلْنا) ميّزنا وفرقنا بين المشركين وشركائهم وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا بذلك حين [اتخذوا] كل معبود من دون الله من خلقه (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) يقولون بلى كنا نعبدكم فيقول الأصنام : (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ) أي ما كنا عن عبادتكم إيّانا إلّا غافلين ، ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل. قال الله تعالى : (هُنالِكَ تَبْلُوا) أي تخبر وقيل : تعلم ، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وطلحة وعيسى وحمزة والكسائي (تَبْلُوا) بالتاء (١) ، وهي قراءة ابن مسعود في معنى : وتقرأ.
(كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) صحيفتها ، وقيل : معناه تتبع ما قدمت من خير وشرّ ، وقال ابن زيد [تعاون] (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَ) [بطل] (عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) [من الآلهة] (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) المطر (وَالْأَرْضِ) النبات (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ) الذي فعل هذه الأشياء (فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) أفلا تخافون عقابه في شرككم (فَذلِكُمُ اللهُ) الذي يفعل هذه الأشياء (رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) فمن أين تصرفون عن عبادته وأنتم مقرّون (كَذلِكَ) فسرها الكلبي هكذا في جميع القرآن (حَقَّتْ) وجبت (كَلِمَةُ رَبِّكَ) حكمه وعلمه السابق.
وقرأ الأعرج : كلمات (عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) كفروا (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) ينشئ من غير أصل ولا [مثال] (ثُمَّ يُعِيدُهُ) يحييه بهيئته بعد الموت [أي قل لهم يا محمد ذلك على وجهة التوبيخ والتقرير] (٢) فإن أجابوك وإلّا (قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) تصرفون عن قصد السبيل (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) أوثانكم (مَنْ يَهْدِي) يرشد (إِلَى الْحَقِ) فإذا قالوا : لا ، فلا بدّ لهم منه (قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِ) أي إلى الحق (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي).
اختلف القراء فيه ، فقرأ أهل المدينة : مجزومة الهاء مشدّدة الدال لأن أصله يهتدي فأدغمت التاء في الدال وتركت الهاء على [السكون] في قراءتهم بين ساكنين كما فعلوا في قوله : ((تَعُدُّوا) و (يَخِصِّمُونَ)).
وقرأ ابن كثير وابن عامر بفتح الهاء وتشديد الدال وقلبت الياء المدغمة الى الهاء ، فاختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، وقرأ عاصم وورش بكسر الهاء وتشديد الدال فرارا من التقاء الساكنين.
[لأن الجزم إذا اضطر إلى حركته] تحول إلى الكسر. قال أبو حاتم : هي لغة سفلى مضر.
__________________
(١) أي تتلو ، راجع زاد المسير : ٤ / ٢٥.
(٢) أثبتناه من تفسير القرطبي : ٨ / ٣٤١.