وقال عطاء : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) عند الموت تأتيهم الملائكة بالرحمة والبشارة من الله وتأتي أعداء الله بالغلظة والفظاظة في الآخرة ساعة خروج نفس المؤمن تعرج بها إلى الله كما تزف العروس تبشر برضوان من الله ، قال الله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) (١) الآية قال ابن كيسان : هي ما بشرهم الله في الدنيا بالكتاب والرسول بأنّهم أولياء الله وتبشرهم في قبورهم وفي كتابهم الذي فيه أعمالهم بالجنة.
وسمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الجوزقي يقول : رأيت أبا أحمد (٢) الحافظ في المنام راكبا برذونا وعليه طيلسان وعمامة فسلمت عليه وسلّم عليّ فقلت له : أيها الحاكم نحن لا نزال نذكرك ونذكر محاسنك ، فعطف عليّ وقال لي : ونحن لا نزال نذكرك ونذكر محاسنك ، قال الله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) الثناء الحسن ، وأشار بيده (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) لا تغيير لقوله ولا خلف لوعده.
روى ابن عليّة عن أيوب عن نافع. قال : أطال الحجاج الخطبة فوضع ابن عمر رأسه في حجري. فقال الحجاج : إن ابن الزبير بدّل كتاب الله ، فقعد ابن عمر فقال : لا تستطيع أنت ذلك ولا ابن الزبير (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ). فقال الحجاج : لقد رأيت حلما وسكت [لقد أوتيت علما أن تفعل ، قال أيوب : فلما أقبل عليه في خاصة نفسه سكت] (٣).
(ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) يعني قول المشركين ، تمّ الكلام هاهنا.
ثم قال مبتدئا : (إِنَّ الْعِزَّةَ) القدرة (لِلَّهِ جَمِيعاً) وهو المنتقم منهم. قال سعيد بن المسيب : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) يعني أن الله يعز من يشاء كما قال في آية أخرى : (لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ، وعزة الرسول والمؤمنين من الله فهي كلها لله قال الله : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (٤) (هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ) هو ما الاستفهام يقول وأي شيء يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء يعني أنهم ليسوا على شيء ، وقراءة السلمي : تدعون بالتاء أي ما تصنع شركاؤكم في الآخرة (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) يعني ظنوا أنها تشفع لهم يوم القيامة ، ويقربهم إلى الله زلفى (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ. هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا) لتهدءوا وتقروا وتستريحوا (فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) مضيئا يبصر فيه كقولهم : ليل نائم وسرّ كاتم و (ماءٍ دافِقٍ) و (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) ، وقال جرير :
__________________
(١) سورة النحل : ٣٢.
(٢) في تفسير القرطبي ٨ / ٣٥٩ : أبا عبد الله.
(٣) زيادة عن تفسير الطبري : ١١ / ١٨١.
(٤) سورة الصافات : ١٨٠.