الله عزوجل (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ) على العهد (فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) قالوا : فلم يستقيموا ونقضوا العهد وأعانوا بني بكر على خزاعة ، فضرب لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد الفتح بأربعة أشهر يختارون من أمرهم أما أن يسلموا ، واما أن يلحقوا بأي بلاد شاؤوا ، فأسلموا قبل الأربعة أشهر.
قال السدي وابن إسحاق والكلبي : هم من قبائل بكر بن خزيمة وهو مدلج وبنو ضمرة وبنو الدئل ، وهم الذين كانوا قد دخلوا في عهد قريش ، وعقدهم يوم الحديبية إلى المدة التي كانت بين رسول الله وبين قريش ، فلم يكن نقضها إلا قريش وبنو الدئل من بني بكر ، فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن نقض من بني بكر إلى مدته ، وهذا القول أقرب إلى الصواب ، لأن هذه الآيات نزلت بعد نقض قريش العهد وبعد فتح مكة ، فكيف يأتي شيء قد مضى.
(فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) وإنما هم الذين قال الله عزوجل (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) كما نقصكم قريش ، (وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً) كما ظاهرت [من] قريش بني بكر على خزاعة [سلفا] رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) مردود على الآية الأولى تقديره : كيف يكون لهؤلاء عهود وهم إن يظهروا عليكم يظفروا فيقتلوكم (لا يَرْقُبُوا) قال ابن عباس : لا يحفظوا ، وقال الأخفش : كيف لا يقتلونهم ، وقال الضحاك : لا ينتظروا ، وقال قطرب : لا يراعوا (فِيكُمْ إِلًّا) قال ابن عباس والضحاك : قرابة ، وقال يمان : رحما ، دليله قول حسان :
لعمرك إنّ إلّك من قريش |
|
كإلّ السقب من رأل النعام (١) |
وقال قتادة : الإلّ : الحلف ، دليله قول أوس بن حجر :
ولا بنو مالك والالّ من فيه |
|
ومالك فهم اللألاء والشرف |
وقال السدّي وابن زيد : هو العهد ، ولكنه لما اختلف الفظان كرّر وإن كان معنا هما واحدا كقول الشاعر :
وألفى قولها كذبا ومينا (٢)
وهو إحدى الروايتين عن مجاهد يدلّ عليه قول الشاعر :
وجدناهم كاذبا إلّهم |
|
وذو الإلّ والعهد لا يكذب (٣) |
وقيل : هو اليمين والميثاق ، وقال أبو مجلز ومجاهد في ساير الروايات : الإلّ هو الله عز
__________________
(١) لسان العرب : ١١ / ٢٦.
(٢) الصحاح : ٦ / ٢٢١٠ ، والجمع : ميون ، ولسان العرب : ١٣ / ٤٢٥.
(٣) تفسير الطبري : ١٠ / ١١٠.