يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦) ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨))
(وَإِنْ نَكَثُوا) نقضوا يقال منه : نكث فلان قويّ حبله إذا نقضه (أَيْمانَهُمْ) عهودهم (مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ) عقدهم (وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) ثلبوه وعابوه وذلك انهم قالوا : ليس دين محمد بشيء (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) قرأ أهل الكوفة أأمّة الكفر بهمزتين على التحقيق لأن أصلها أمّمة مثل : مثال وأمثله وعماد وأعمدة ، ثم أدغمت الميم التي هي عن أفعلة في الميم الثانية ونقلت حركتها إلى الهمزة الساكنة التي هي فاء الفعل فصار أئمة ، فإنّما كتبت الهمزة الثانية ياء لما فيها من الكسرة وهي لغة تميم ، وقرأ الباقون : أيمة [بهمزة واحدة] من دون الثانية طلبا للخفّة ، (أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) : رؤس المشركين وقادتهم من أهل مكة.
قال ابن عباس : نزلت في أبي سفيان بن حرب والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسائر رؤساء قريش يومئذ الذين نقضوا العهد ، وهم الذين همّوا بإخراج النبي صلىاللهعليهوسلم وقال مجاهد : هم أهل فارس والروم ، وقال حذيفة بن اليمان : ما قوتل أهل هذه الآية ولم يأت أهلها بعد (إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) عهودهم ، جمع يمين أي وفاء باليمين. قال قطرب : لا وفاء لهم بالعهد وأنشد :
وإن حلفت لا ينقض النّأي عهدها |
|
فليس لمخضوب البنان يمين (١) |
الحسين وعطاء وابن عامر : لا إِيمانَ لَهُمْ بكسر الهمزة ، ولها وجهان : أحد هما لا تصديق لهم ، يدل عليه تأويل عطية العوفي قال : لا دين لهم ولا ذمّة ، فلا تؤمنوا بهم فاقتلوهم ، حيث وجدتموهم فيكون مصدرا من الإيمان الذي هو ضد الإخافة قال الله عزوجل : (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) لكي ينتهوا عن الطعن في دينكم والمظاهرة عليكم ، وقيل : عن الكفر.
ثم قال حاضّا المسلمين على جهاد المشركين (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) نقضوا عهودهم (وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ) محمد صلىاللهعليهوسلم من مكة (وَهُمْ بَدَؤُكُمْ) بالقتال (أَوَّلَ مَرَّةٍ) يعني يوم بدر ، وقال أكثر المفسرين : أراد بدءوكم بقتال خزاعة حلفاء رسول الله (أَتَخْشَوْنَهُمْ) أتخافونهم فتتركون قتالهم (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) تخافوه في ترككم قتالهم (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ) يقتلهم الله (بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ) يذلّهم بالأسر والقهر (وَيَنْصُرْكُمْ) ويظهركم (عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ) ويبرئ قلوب (قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) بما كانوا ينالونه من الأذى
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٨ / ٨١.