وقوله : (هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) قراءة العامة برفع الراء ، وقرأ الحسن وعيسى بن عمرو : (أَطْهَرَ) بالنصب على الحال (١) ، فإن قيل : فأي طهارة في نكاح الرجال حتى قال لبناته هن أطهر لكم؟ قيل : ليس هذا زيادة النسل ، إنما يقال ليس ألف «أطهر» للتفضيل وهذا سائغ جائز في كلام العرب كقول الناس : الله أكبر ، فهل يكابر الله أحد حتى يكون هو أكبر منه؟ ويدلّ عليه ما روي عن أبي سفيان حين قال يوم أحد : أعل هبل ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم لعمر : «قل الله أعلى وأجل» [٩٩] (٢) ، وهبل لم يكن قط عاليا.
(فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي) أي لا تهينوني فيهم بركوبهم ، وهم لا يركبون ، وعجزي من دفعهم عنهم. وقيل : أراد ولا تشهروني بهم. تقول العرب : خزي خزيا إذا افتضح ، وخزي يخزي خزاية بمعنى الاستحياء ، قال ذو الرمة :
خزاية أدركته بعد جولته |
|
من جانب الحبل مخلوطا بها الغضب (٣) |
(أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) صالح ، قال ابن عباس : معناه رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
(قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ) أي ليس لنا أزواجا [نلتصقهنّ] بالتزويج (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ) من إتيان الأضياف ، فقال لهم لوط عند ذلك (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) أي منعة وشيعة تنصرني (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) أي ألجأ وأنضوي إلى عشيرة مانعة ، وجواب (لو) مضمر [تقديره : لرددت أهل الفساد] ، وقالوا : ما بعث الله بعده نبيا إلّا في ثروة من قومه ، وروي أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما قرأ هذه الآية قال : «رحم الله أخي لوطا لقد كان يأوي (إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ)» [١٠٠] (٤).
قال ابن عباس وأهل التفسير : أغلق لوط بابه والملائكة معه في الدار وهو يناظرهم ويناشدهم من وراء الباب ، وهم يعالجون تسوّر الجدار ، فلما رأت الملائكة ما لقي لوط من الكرب والنصب بسببهم ، قالوا : يا لوط إنّ ركنك لشديد (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) فافتح الباب ودعنا وإيّاهم ففتح الباب ودخلوا ، فاستأذن جبريل عليهالسلام ربه في عقوبتهم فأذن له ، فقام في الصورة التي يكون فيها فنشر جناحه وله جناحان [وعليه وشاح من در منظوم وهو برّاق الثنايا أجلى الجبين ، ورأسه بك حبك] مثل المرجان وهو اللؤلؤ كأنّه ثلج ، وقدماه إلى الخضرة فقال : (يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) ، امض يا
__________________
(١) كلام غير مقروء.
(٢) مسند أحمد : ١ / ٢٨٨.
(٣) لسان العرب : ١٤ / ٢٢٧.
(٤) المعجم الأوسط للطبراني : ٨ / ٣٤٢.