لوط من الباب ، ودعني وإيّاهم ، فتنحى لوط عن الباب فخرج عليهم فنشر جناحه فضرب [به] (١) وجوههم فطمس أعينهم فعموا وانصرفوا على أعقابهم فلم يعرفوا طريقا ولم يهتدوا إلى بيوتهم.
فانصرفوا وهم يقولون : النجا النجا فإن في بيت لوط أسحر قوم في الأرض وقد سحرونا ، وجعلوا يقولون : يا لوط كما أنت حتى نصبح ، يتوعدونه ، فقال لهم لوط : متى موعد هلاكهم؟ فقالوا : الصبح قال : أريد أسرع من ذلك أن تهلكونهم الآن ، فقالوا : (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) قالوا له : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) ، قرأ أهل الحجاز بوصل الألف من سرى يسري ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) وقرأ الباقون بقطع الألف من أسرى يسري اعتبارا بقوله (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) وهما بمعنى واحد.
(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) قال ابن عباس : بطائفة من الليل ، الضحّاك : ببقية ، قتادة : بعد مضي صدره ، الأخفش : بعد جنح ، وقيل : بعد هدوء ، وبعضها قريب من بعض.
(وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو : إِلَّا امْرَأَتُكَ برفع التاء على الاستثناء من الالتفات أي (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) فإنها تلتفت وتهلك ، وإنّ لوطا خرج بها ، ونهى من معه ممن أسرى بهم أن يلتفت سوى زوجته ، فإنها لما سمعت هدّة العذاب التفتت وقالت : وا قوماه فأدركها حجر فقتلها.
وقرأ الباقون بنصب المرأة على الاستثناء من الأهل ، أي فأسر بأهلك بقطع من الليل إلّا امرأتك ولا يلتفت منكم أحد ، فـ (إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) من العذاب غير مخطئها ولا يخطيهم.
(إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) أي إن موعد هلاكهم هو الصبح ، فقال لوط : أريد أسرع من ذلك ، فقالوا : (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) عذابنا (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) وذلك أن جبريل عليهالسلام أدخل جناحه تحت قرى قوم لوط المؤتفكات سدوم وعامورا ودادوما وصبوا ، فرفعها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونباح الكلاب ، ثم جعل (عالِيَها سافِلَها).
روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لجبريل عليهالسلام : «إن الله تبارك وتعالى سمّاك بأسماء ففسّرها لي ، قال الله في وصفك (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) فأخبرني عن قوّتك ، قال : يا محمد رفعت قرى قوم لوط من تخوم الأرض على جناحي في الهواء حتى سمعت ملائكة سماء الدنيا أصواتهم وأصوات الديكة ثم قلبتها ظهرا لبطن ، قال : فأخبرني عن قوله (مُطاعٍ) قال : إن رضوان خازن الجنان ، ومالكا خازن النيران متى كلفتهما فتح أبواب الجنة والنار فتحاهما لي ، قال : فأخبرني عن قوله (أَمِينٍ) قال : إن الله عزوجل أنزل من السماء مائة وأربعة كتب على أنبيائه لم يأتمن عليها غيري» [١٠١].
__________________
(١) المخطوط غير مقروء وما أثبتناه من تفسير الطبري : ١٢ / ١٢٠.