وقال أبو مجلز : هو جزاؤه إلّا أن يشاء ربك أن يتجاوز عنهم ، ولا يدخلهم النار ، وفي وصف السعداء إلّا ما شاء ربك بقاءهم في الجنة. قال ابن مسعود : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) ، لا يموتون فيها ولا يخرجون منها (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ). وهو أن يأمر النار أن تأكلهم وتفنيهم ثم يجدّد خلقهم.
قال : وليأتين على جهنم زمان تغلق أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون (فِيها أَحْقاباً) ، وقال الشعبي : جهنم أسرع الدارين عمرا وأسرعهما خرابا ، وقال ابن زيد : في هذه الآية أخبرنا بالذي أنشأ لأهل الجنة فقال : هذا غير مجذوذ ، ولم يخبرنا بالذي أنشأ لأهل النار ، وقال ابن كيسان : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) من الفريقين من تعميرهم في الدنيا قبل مصيرهم إلى الجنة والنار ، وقيل : (ما شاءَ رَبُّكَ) من احتباس الفريقين في البرزخ ما بين الموت والبعث.
الزجّاج : في هذه الآية أربعة أقوال : قولان منها لأهل اللغة ، وقولان لأهل المعاني ، فأمّا أحد قولي أهل اللغة فإنهم قالوا : (إِلَّا) هاهنا بمعنى سوى كما يقال في الكلام : ما كان معنا رجل إلّا زيد ، ولي عليك ألف درهم إلّا الألفان التي لي عليك ، فالمعنى ما دامت السماوات والأرض سوى ما شاء ربك من الخلود ، والقول الثاني : إنّه استثنى من الإخراج وهو لا يريد أن يخرجهم منها ، كما يقول في الكلام : أردت أن أفعل كذا إلّا أن أشاء غيره ، وأنت مقيم على ذلك الفعل ، والمعنى أنّه لو شاء أن يخرجهم لأخرجهم ، ولكنّه أعلمهم أنهم خالدون فيها ، قال الزجّاج : فهذان مذهبا أهل اللغة.
وأما قولا أهل المعاني ، فإنهم قالوا : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) من مقدار مواقفهم على رأس قبورهم وللمحاسبة (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) من زيادة النعيم لأهل النعيم ، وزيادة العذاب لأهل الجحيم ، وقال الفراء : معناه : وقد شاء ربك خلود هؤلاء في النار وهؤلاء في الجنة ، و (إِلَّا) بمعنى الواو سائغ جائز في اللغة ، قال الله تعالى (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) ومعناه ، ولا الذين ظلموا ، وأنشدني أبو ثروان :
من كان أشرك في تفرّق فالج |
|
فلبونه جربت معا وأغدت |
إلّا كناشرة الذي ضيعتم |
|
كالغصن في غلوائه المثبت (١) |
معناه ، لكن هنا كناشرة ، وهي كاسم قبيلة ، وقال : معناه كما شاء ربك كقوله (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) معناه كما قد سلف.
(وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا) قرأ أهل الكوفة : (سعدوا) بضم السين أي رزقوا السعادة ، وسعد وأسعد بمعنى واحد ، وقرأ الباقون بفتح السين قياسا على الذين شقوا ، واختاره أبو عبيد وأبو
__________________
(١) لسان العرب : ٢ / ٩٥ ، وتاج العروس : ١ / ٥٩.