أراد إلى القادم ، فحذف اللام عند اللام وتكون (ما) بمعنى من تقديره لممّن يوفينّهم ، كقول الشاعر :
وأنّي لمّا أصدر الأمر وجهه |
|
إذا هو أعيا بالسبيل مصادره (١) |
وقيل : أراد (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا) بالتنوين والتشديد ، قرأها الزهري بالتنوين أي (وَإِنَّ كُلًّا) شديدا وحقا (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) من قوله تعالى : (كُلًّا لَمَّا) ، أي شديدا فحذفوا التنوين وأخرجوه على هذا فعلى ، كما فعلوا في قوله : (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) ، وقرأ نافع وابن كثير بتخفيف النون والميم على معنى إن الثقيلة مخفّف ، وأنشد أبو زيد :
ووجه مشرق النحر كأن ثدييه حقّان (٢)
أراد كان فخفّف ونصب به ، و (ما) صلة تقديره وإن كلا ليوفينّهم. وقرأ أبو عمرو والكسائي ويعقوب وحفص وأيوب وخلف بتشديد النون وتخفيف الميم على معنى وأن كلا ليوفينّهم ، جعلوا (ما) صلة. وقيل : أرادوا وأن كلا لممّن كقوله (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) أي من. وقرأ أبو بكر بن عياش بتخفيف النون وتشديد الميم أراد أن الثقيلة فخفّفها.
وقيل : (أن) بمعنى (ما) الجحد و (لما) بمعنى (إلا) تقديره وما كلا إلّا ليوفينّهم ، ولكنه نصب كلّا بإيقاع التوفية عليه أي ليوفينّ كلا وهو أبعد القراءات فيها من الصواب ، إنه بما تعملون خبير.
(فَاسْتَقِمْ) يا محمد على أمر ربك والعمل به والدعاء إليه (كَما أُمِرْتَ) أن لا تشرك بي شيئا وتوكّل عليّ مما ينوبك ، قال السدّي : الخطاب له صلىاللهعليهوسلم والمراد أمته.
(وَمَنْ تابَ مَعَكَ) فليستقيموا ، يعني المؤمنين (وَلا تَطْغَوْا) ولا تجاوزوا أمري ، وقال ابن زيد : ولا تعصوا الله ولا تخالفوه ، وقيل : ولا تتخيّروا (٣).
(إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) لا يخفى عليه من أعمالكم شيء ، قال ابن عباس : ما نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في جميع القرآن آية كانت أشد ولا أشقّ عليه من هذه الآية ، ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له : لقد أسرع إليك الشيب ، فقال : «شيبتني سورة هود وأخواتها» [١٠٤] (٤).
(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) قال ابن عباس : ولا تميلوا على غيّهم ولا تدهنوا لهم
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٩ / ١٠٥.
(٢) تفسير الطبري : ١٢ / ١٦٢.
(٣) تفسير القرطبي : ٩ / ١٠٧.
(٤) الجامع الصغير : ٢ / ٨٢ ح / ٤٩١٦ ، وكنز العمّال : ١ / ٥٧٣.