الذئب أكله وبعتموه (بِثَمَنٍ بَخْسٍ) ، فذلك قوله (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (١).
قال السدّي : أرسل يعقوب يوسف معهم فأخرجوه وبه عليهم من الكرامة ، فلمّا برزوا إلى البرية أظهروا له العداوة وجعل أخوه يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه ، فجعل لا يجد منهم رحمة ، فضربوه حتى كادوا يقتلونه فجعل يصيح ويقول : يا أبتاه يا يعقوب ، لو تعلم ما يصنع بابنك هؤلاء الأبناء.
فلمّا كادوا ليقتلوه قال يهودا : أليس سألنا أبانا موثقا ألّا تقتلوه؟ فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه فجعلوا يدلونه في البئر ، فتعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال : يا إخوتاه ، ردّوا عليّ القميص أتوارى به في الجب ، فقالوا : ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا تؤنسك ، قال : إنّي لم أر شيئا.
فدلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت ، وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم أوى إلى صخرة فيه فقام عليها ، فلمّا ألقوه في الجب جعل يبكي فنادوه فظن أنّها رحمة أدركتهم ، فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه فقام يهودا فمنعهم وقال : قد أعطيتموني موثقا ألّا تقتلوه ، وكان يهودا يأتيه بالطعام (٢).
ويقال : إن الله تعالى أمر صخرة حتى ارتفعت من أسفل البئر فوقف يوسف عليها وهو عريان ، وكان إبراهيم الخليل صلىاللهعليهوسلم حين ألقي في النار جرّد من ثيابه وقذف في النار عريانا فأتاه جبريل عليهالسلام بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه وكان ذلك [القميص] عند إبراهيم ، فلمّا مات ورثه إسحاق ، فلمّا مات إسحاق ورثه يعقوب ، فلمّا شب يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في تعويذ وعلّقه في عنقه ، فكان لا يفارقه ، فلمّا ألقي في البئر عريانا جاء جبرئيل وكان عليه ذلك التعويذ فأخرج القميص منه وألبسه إياه ، قال ابن عباس : ثم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على قميص يوسف.
(وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) ليكونوا أجرأ في الظلمة على الاعتذار وترويج ما مكروا ، وقد قيل : لا تطلب الحاجة بالليل وإن الحياء في العينين ، ولا يعتذر من ذنب في النهار فيتلجلج في الاعتذار فلا يقدر على إتمامه ، وقيل : أخّروا المجيء إلى وقت العشاء الآخرة ليدلّسوا على أبيهم.
قال السدّي : فلمّا سمع أصواتهم فزع وقال : ما لكم يا بنىّ؟ وهل أصابكم في غنمكم شيء؟ قالوا : لا ، قال : فما أصابكم؟ وأين يوسف؟
__________________
(١) تفسير الطبري : ١٢ / ٢١١.
(٢) تفسير الطبري : ١٢ / ٢٠٩.